للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومتخلّفهم، ومنهضا لضعيفهم ومهيضهم، فإنهم حجّاج بيت الله الحرام، وزوّار قبر الرسول عليه السلام، قد هجروا الأوطان، وفارقوا الأهل والإخوان، وتجشّموا المغارم الثّقال، وتعسّفوا السّهول والجبال، يلبّون دعاء الله عز اسمه، ويطيعون أمره ويؤدّون فرضه ويرجون ثوابه، وحقيق على المسلم المؤمن أن يحرسهم متبرّعا، ويحوطهم متطوّعا؛ فكيف من تولّى ذلك وضمنه، وتقلّده واعتنقه، قال الله: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا

«١» .

وأمره أن يراعي أمور المساجد بمدينة السلام وأطرافها، وأقطارها وأكنافها، وأن يجبي أموال وقوفها، ويستقصي جميع حقوقها، وأن يلمّ شعثها، ويسدّ خللها، بما يتحصّل من هذه الوجوه قبله، حتى لا يتعطّل رسم جرى فيها، ولا تنقض عادة كانت لها، وأن يثبت اسم أمير المؤمنين على ما يعمره منها، ويذكر اسمه بعده بأنّ عمرانها جرى على يديه، وصلاحها أدّاه قول أمير المؤمنين إلى فعله، فقد فسّح له أمير المؤمنين بذلك تنويها باسمه، وإشادة بذكره؛ وأن يولّي ذلك من قبله من حسنت أمانته، وظهرت عفّته وصيانته، فقد قال الله تعالى: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ

«٢» .

وأمره أن يستخلف على ما يرى الاستخلاف عليه من هذه الأعمال: في الأمصار الدانية، والبلاد القريبة والبعيدة، من يثق به من صلحاء الرجال، وذوي الوفاء والاستقلال، وأن يعهد اليهم مثل الذي عهد إليه، ويعتمد عليهم في مثل ما اعتمد عليه، ويستقري مع ذلك آثارهم، ويتعرّف أخبارهم، فمن وجده محمودا أقرّه ولم يزله، ومن وجده مذموما صرفه ولم يمهله، واعتاض منه من ترجى «٣» الأمانة عنده، وتكون الثّقة معهودة منه؛ وأن يختار لكتابته وحجبته والتصرّف فيما قرب منه وبعد

<<  <  ج: ص:  >  >>