وهذه نسخة عهد كتب بها أبو إسحاق الصابي عن الطائع لله، لأبي الحارث محمد بن موسى العلويّ الموسوي، بتقليده الصلاة في جميع النواحي والأمصار والأطراف، وتوقّف عن إظهاره لرأي رآه في ذلك، وهي:
هذا ما عهد عبد الله إلى محمد بن موسى العلويّ، لمّا استكفاه النظر في نقابة الطالبيين فكفاه، وتحمّل ذلك العبء فأغناه، وفات النظراء في الاستقلال والوفاء، وبذّ الأمثال في الاضطلاع والغناء، جامعا إلى شرف الأحساب والأعراق، شرف الآداب والأخلاق، وإلى كرائم المفاخر والمناقب، مكارم الطّباع والضّرائب «١» ، على الحداثة من سنّه، والغضاضة من عوده، مستوليا من البراعة والنّجابة، والفراهة واللّبابة، على التي لا يبلغها الشّيب المفارق، فضلا عن البالغ المراهق، وغايات تنقطع دونها أنفاس المنافسين، وتتضرّم عليها أحشاء الحاسدين؛ لا سيّما وقد أطّت «٢» بأمير المؤمنين إليه شواجن الأرحام، وعطفته على اصطناعه عواطف الآباء والأعمام، واقتضت آثاره المحمودة، وطرائقه الرّشيدة، أن يناوبه على رتبة لم يبلغها أحد من ولد أبيه، ولم يفترع ذوائبها رجل دونه، فقلّده الصلاة بمدينة السلام في خمسة جوامعها: فأوّلها الجامع الداخل في حريم أمير المؤمنين، وجامع الرّصافة، وجامع المنصور، وجامع براثى، وجامع الكفّ الذى تولّى أبوه إشادته وعمارته، وحسنت آثاره في إنشائه وإعلائه؛ وحيث سمت همته إليه، وبذل المجهود في إنفاق الأموال الدّثرة «٣» عليه؛ واستنزل بذلك من الله أجزل إثابة المثابين، وأوفر أجر المأجورين، وجميع المنابر في شرق الأرض وغربها، وبعيد الأقطار وقريبها؛ وأمير المؤمنين يسأل الله حسن التسديد في ذلك وسائر مراميه، وجميع مطالبه ومغازيه، وجواري هممه التي يمضيها، وسرايا عزماته التي