وأمره أن يقيم الدّعوة على منابر أعماله القاصية والدانية والغائبة والحاضرة لأمير المؤمنين، ثم للناهض عنه بالأعباء، والقائم دونه في البأساء والضّرّاء، الذي غذّي بلبان الطاعة، وانقاد بزمام المتابعة: بهاء الدولة، ولولاة الأعمال من بعده الذين يدعى لهم على المنابر، ما يكون منها على العادة الجارية فيها، فإنها دعوة تلزم إقامتها، وكلمة تجب إشادتها، إذ كانت متعلّقة بطاعة الله عزّ وجلّ، وقد أوجبها الله تبارك وتعالى على كافّة المسلمين وجميع المعاهدين، إذ يقول [وهو] أصدق القائلين: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ
«٢» ؛ وعائدتها تعمّهم، وفائدتها تشملهم، إذ كان صلاح الرعيّة مقرونا بصلاح راعيها، وفساد الأمّة منوطا بفساد واليها.
وأمره باستخلاف من يرى استخلافه على الصّلاة في الأقطار والأطراف والنواحي والبلدان، وأن يختار من الرجال كلّ حسن البيان، مصقع «٣» اللسان؛ بليل الرّيق إذا خطب، بليغ القول إذا وعظ.
هذا عهد أمير المؤمنين إليك، وحجّته لك وعليك؛ قد أعذر فيه وأنذر، وهدى من الضّلالة وبصّر، وأعلقك زمام رشدك وغيّك، وقلّدك عنان هلكك وفوزك، وخيّرك في كلا الأمرين، ووقفك إزاء الطريقين؛ فإن سلكت أهدا هما لم تلبث أن تعود غانما، وإن ولجت أضلّهما فغير بعيد أن تؤوب نادما؛ واستعن بالله يعنك، واستزده من الكفاية يزدك، واستلبسه الهداية يلبسك، واستدلله على نجاح المطالب يدللك، إن شاء الله، والحمد لله وحده.