النّسب، إلى شرف العلم المكتسب، مع ما سلف لبيته من الحرمات المرعية المتأكّدة، والقربات المرضيّة المتمهّدة، والسوابق المحكمة المرائر «١» ، الحميدة المباديء والمصاير، فقلّده قضاء القضاة بمدينة السلام وسائر الأمصار، في الآفاق والأقطار، شرقا وغربا، وبعدا وقربا، إنافة به إلى ما أصبح له مستحقّا، واستمرّ استيجابه مسترقّا، وجذبا بضبعه إلى ما يتحقّق نهوضه بأعبائه، وحسن استقلاله به وغنائه، واقتفاء لآثار الأئمة الراشدين في إيداع الودائع عند مستحقّها، وتفويض الأمور إلى أكفائها وأهلها، لا سيّما أولياء دولتهم، وأغذياء نعمتهم، الذين كشفت عن سجف خبرتهم التّجارب، ووردوا من الخلال الرشيدة أعذب المشارب، وانتهجوا الجدد الواضح، وتقبّلوا الخلق الصالح؛ والله سبحانه يقرن عزائم أمير المؤمنين بالخيرة في كلّ رأي يرتئيه، وأمر يؤمّه وينتحيه، ويصدّق مخيلته في كلّ حال يأتيها، ويمضي عزمه فيها؛ وما توفيقه إلا بالله عليه يتوكّل وإليه ينيب.
أمره بتقوى الله التي لا يسعد أحد إلا بالتمسّك بسببها، ولا يشقى إلا مع إضاعتها؛ فإنّها الجناب المريع، والمعقل المنيع، والنّجاة يوم الفزع الأكبر، والعدّة النافعة في المعاد والمحشر، والعصمة الحامية من نزعات الشيطان ومخايله، المنقذة من أشراكه وحبائله؛ وبها تمحّص الأوزار، وتنال الأوطار، وتدرك المآرب، وتنجح المطالب؛ قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
«٢» .
وأمره باستشعار خشية الله سبحانه في قوله وفعله؛ واختلاف أطواره وأحواله، وتذكّر ما هو قادم عليه، ووافد إليه: يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً