داعي هفوة أو صبوة، إلا كان الخوف قادعه «١» ، والحذار مانعه، وأن يجعل التواضع والوقار شيمته، والحلم دأبه وخليقته، فيكظم غيظه عند احتدام أواره، واضطرام ناره، مجتنبا عزّة الغضب الصائرة إلى ذلّة الاعتذار، ومتوخّيا في كل حال للمقاصد السليمة الإيراد والإصدار، وأن يتأمل أحوال غيره تأمّل من جعلها لنفسه مثالا، واتّخذها لنسجه منوالا؛ فما استحسنه منها فيأتيه، وما كرهه فيجتويه «٢» ، غير ناه عمّا هو من أهله، ولا آمر بما هو مجانب لفعله؛ قال الله جلّت عظمته:
وأمره بتلاوة كتاب الله مواظبا، والإكثار من قراءته دائبا، وأن يجعله إماما يقتفيه، ودليلا يتّبعه فيهديه، ونورا يستضيء به في الظّلمات، وهاديا يسترشده عند اعتراض الشّبهات، وموئلا يستند إليه في سائر أحكامه، وحصنا يلجأ به في نقضه وإبرامه، عاملا بأوامره، ومزدجرا بزواجره، ومنعما نظره في محكم آياته، وصادع بيّناته، ومعملا فكره في خوض غماره، واستخراج غوامض أسراره؛ فإنّه الحقّ الذي لا يجور متّبعه، والمتجر الذي لا يبور مبتضعه، والمنار الذي به يقتدى، والمنهج الذي بأعلامه يهتدى، والمصدر الذي تغرى به الأمور في ملبس الإشكال، وتشرع معه الأحوال المستبهمة في ورود الوضوح السّلسال، وينبوع الحكمة الذي ضرب الله فيه الأمثال، وفرق فيه بين الحرام والحلال، والهداية والضّلال؛ قال الله سبحانه: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ
«٤» .
وأمره بدراسة السّنن النّبويّة صلوات الله على صاحبها، والاقتداء بما جاءت به من مكارم الأخلاق التي ندب إليها، وحضّ عليها، وتتبّع ما يتداخلها من