وأمره بالإكثار من تلاوة القرآن الواضح سبيله، الراشد دليله، الذي من استضاء بمصابيحه أبصر ونجا، ومن أعرض عنها زلّ وغوى، وأن يتخذه إماما يهتدي بآياته، ويقتدي ببيّناته، ومثالا يحذو عليه، ويردّ الأصول والفروع إليه؛ فقد جعله الله حجّته الثابتة الواجبة، ومحجّته المستبينة اللّاحبة، ونوره الغالب الساطع، وبرهانه الباهر الناصع؛ وإذا ورد عليه معضل، أو غمّ عليه مشكل، اعتصم به عائذا، وعطف عليه لائذا؛ فبه يكشف الخطب، ويذلّل الصّعب، وينال الأرب، ويدرك المطلب، وهو أحد الثقلين اللذين خلّفهما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلّم فينا، ونصبهما معلما بعده لنا، قال الله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً
«٢» . وقال تعالى: وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
«٣» .
وأمره بالمحافظة على الصّلوات، وإقامتها في حقائق الأوقات، وأن يدخل فيها أوان حلولها بإخلاص من قلبه، وحضور من لبّه، وجمع بين لفظه ونيّته، ومطابقة بين قوله وعمله، مرتّلا للقراءة فيها، مفصحا بالإبانة لها، متثبّتا في ركوعها وسجودها، مستوفيا لحدودها وشروطها، متجنّبا فيها جرائر الخطإ والسّهو، وعوارض الخطل واللّغو: فإنه واقف بين يدي جبّار السماء والأرض، ومالك البسط والقبض، والمطّلع على خائنة كلّ عين وخافية كلّ صدر، الذي لا تحتجب دونه طويّة، ولا تستعجم عليه خبيّة، ولا يضيع أجر محسن، ولا يصلح عمل مفسد؛ وهو القائل عز وجل: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ