يستند في شيء من أحكامه إلى من لا يقوم على عصمته دليل، ولا جعل إليه تحريم ولا تحليل؛ فأعينوه- وفقكم الله- على تمشية هذه المقاصد الكريمة أكرم إعانة، واسلكوا من مظاهرته على الحق وموازرته على المسالك التي تستبين هنالكم أتمّ استبانة، إن شاء الله تعالى.
ومن الظهائر المكتتبة بالوظائف الدينّية ما كتب به في ولاية قاض، وهو:
أما بعد حمد الله رافع علم الحقّ لمن اهتدى، وواضع ميزان القسط بالشريعة المحمديّة الآخذة بالحجز عن مهاوي الرّدى، ومؤيّد الدّين الحنيفيّ بمن ارتضى لتحديد حدوده وتجديد عهوده وهدى، والصلاة على سيدنا محمد نبيّه الكريم الذي أرسله إلى الناس كافّة غير مستثن عليه من الخلق أحدا، وعلى آله وصحبه الذين سلكوا في نصره وإظهار أمره جددا، والرضا عن الخليفة أمير المؤمنين العبّاسيّ الأطيب عنصرا ومحتدا، فإنا كتبناه إليكم- كتبكم الله ممن اعتزّ بطاعته وتقواه، واعتصم من حبله المتين بأوثقه وأقواه- من فلانة، وفضل الله سبحانه مديد الظّلال، وتوكّلنا عليه- عز وجهه- ظهيرنا المعتمد به في كلّ حال، وعمادنا الذي نقدّمه فيما ندبّره من الأعمال؛ وإنّكم من عنايتنا، وموصول رعايتنا، لبالمحلّ الأدنى، ومن خاصّ نظرنا واهتمامنا لمن نكلف بشأنه كلّه ونعنى، ونعتمد من ذلك بالأحسن فالأحسن فجزاء الذين أحسنوا الحسنى.
وقد علمتم- وصل الله كرامتكم- أنّ الأحكام الشرعيّة هي ملاك الأمور ونظامها، وعليها مدار الأعمال الدينية وبها تمامها، وأنه لا يصلح لها إلا من تجرّد عن هواه، وآثر الحقّ على ما سواه، واتّبع حكم نبيّه- عليه السلام- في كلّ ما عمله ونواه، وتجمّل بالدّراية وحمل الرّواية فكانتا أظهر حلاه، واتّسم بالعدل والاعتدال فيما وليه من ذلك أو تولّاه، وكان ممن أطلق الحقّ لسانه وقيّد الورع يمناه؛ وقد أمعنّا النظر فيمن له من هذه الأوصاف أوفى نصيب، ومن إن رمى عن قوس نظره الموفّق كان سهمه المسدّد مصيب: لنخصّكم به قاضيا في هذه الأحكام، ونقدّمه