ولا متناهية، ولم تزل للإسلام سيفا قاطعا ماضيا، وعلى الإلحاد سيفا مرهفا قاضيا، تذود الشرك عن التوحيد، وتصدّ الكفر عن الإيمان فيحيد مرغما ويبيد؛ وكم لك في خدمة أئمة الهدى من مأثرة تؤثر فتبهج ويورد ذكرها فيغري بالثناء عليك ويلهج، وتبذل في طاعتهم النفس والولد، وتنتهي في مناصحتهم إلى الأمد الذي ليس بعده أمد؛ فلذلك فزت بدعواتهم التي أعقبتك حسن العواقب، وأحلّتك المحلّ الذي لا تسموا إلى رقيّه النجوم الثّواقب؛ فإذا رفعك أمير المؤمنين إلى منزلة سامية، وجد محلّك لديه عنها يجلّ ويسمو، وإذا خصّك بفضيلة ما، صادف استحقاقك عنها يرتفع ويعلو، وإذا استشفّ خصائصك، وجدها بديعة الكمال، يمتنع أن يدرك مثلها بحرص ساع أو ينال؛ وقد توافقت الخواطر على أنك أوحد وزراء الدولة العلويّة ظفرا ونظرا، وأحسنهم في طاعتها ومخالصتها أثرا، وأفضلهم خبرا وأطيبهم خبرا؛ وقد جدّد لك أمير المؤمنين اصطفاءك لوزارته، واجتباءك لتدبير مملكته، وجعلك الفرد المشار لك في دولته.
فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين من هذه المهمّات الجسام، وتسنّم ما وطّده لك من هذه الرّتب العظام، وتلقّ آلاءه بما يثبتك في جرائد الأبرار، ويمنحك مصاحبة التوفيق في الإيراد والإصدار، وباشر ما ناط إليك من كبير الأمور وصغيرها، وجليل الأحوال وحقيرها، وابسط يدك في تدبير دولته، وأنفذ أوامرك في أرجاء مملكته، واعن بما جعله لك من تدبير جيوشه الميامين وأوليائه المتّقين، وكفالة قضاة المسلمين وهداية دعاة المؤمنين، وربّ أحوال جنوده ورعاياه أجمعين، واعمل في ذلك بتقوى الله الذي ما برحت لك دأبا وطريقة، وشيمة وخليقة، وبها النجاة من النار، والسّلامة في دار القرار، والفوز بمعنى الخلاص، في يوم المناقشة والقصاص؛ فالعارف من مهّد بها مقامه في الآخرة تمهيدا، وأحرز بها من الثواب في الآخرة مزيدا، بقول الله في الكتاب الذي جعله في الإعجاز فريدا:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً