محجّتها ووسّعها؛ ومقاماته في الجهاد والجلاد مقامات أوضحت الحقائق للأفهام، وثبّتت الدقائق تثبيتا يبقى على غابر الأيّام، وأعزّت دعوة الدولة العلوية وأيّدتها، ونصرت أعلامها ونشرتها، وأكتنفت بالتفضيل والإحسان رجالها، وأزالت بالجدّ والتشمير أوجالها، ومحت آثار عداتها بالسّيوف، وألفتهم «١» عن النّكايات المجحفة بوزع المنايا والحتوف.
والحروب فمرباه في مهودها، ومنشاه بين أسودها، ورعاتها وقف على إضرامها وإخماد وقودها؛ فإذا تورّدها تورّدها باسما متهلّلا، وإذا اقتحم مضايقها تصرّف فيها متوقّفا متمهّلا، لا يحفل بأهوالها، ولا يرى لقارعة من عظائم قوارعها وآلها؛ وحسبك فتكاته في طغاة الكفّار، وقصد أولياء الدولة بالإظهار: فإنّ الكفّار حين نهدوا للنّفاق، واجتلبوا أشباههم من بعيد الآفاق، وتهجّموا على الأعمال فجأهم بعزمة من عزماته أقامت راية الدين، وجعلتهم حصيدا خامدين، وأفنت منهم الصّناديد، واصطلمتهم «٢» ببلايا تزيد على التعديد، واجتحفتهم بالقتل والأسر والتفريق، ورمتهم بدواه لا يقدر بشريّ على دفاعها ولا يطيق؛ ولمّا التجأ طاغية الكفر إلى الحيرة وركد، ورام الاعتصام بعروتها واجتهد، واغترّ بما معه من الجمع وكثرة العدد، نهد إليه في الأبطال الأنجاد، ونهض نحوه ثابتا للقراع والجلاد، فأزاله عن مجثمه، وذعره ذعرا شرّده عن معلمه، ورماه بالحراك بعد السّكون، والتّعب الذي قدّر باغتراره أنّ مثله لا يكون؛ وكم له فتكة في أهل العمود «٣» ذلّلت جماحهم، واستلبت أرواحهم، وأعادت ليلا بالنّقع صباحهم.
وعند تمادي عتاة الكفّار في الإصرار، وجوسهم خلال الدّيار، ونفثهم في وجوه الأذى والإضرار، وطمعهم في اجتياح أهل الأعمال والأقطار، عوّل أمير المؤمنين في استئصالهم على عزمه، واعتضد بذبّه وحسمه، وجعل إليه التدبير