على الأحوال آثار إيثاره، وأخذ به الخصب من المحل ثاره واستقال به الرخاء من وهدات عثاره، وعضّد به أفعاله من أمور التوفيق اتّباعا واقتضابا، وألهمه من موالاة الآلاء التي لا تذهب عهود عهادها انقضاء ولا انتضابا، ويسّر له عزيمة من الآراء التي لا تكسب إلا حمدا أو ثوابا؛ يختصّ بإحسانه من ينصّ الاختبار على أنه أهل للاختيار، وتفيض الأحوال من حوالي أوصافه ما يديم المطار في الأوطار، وينعم على النعمة بإهدائها إلى ذوي الاستيجاب، ويصطنع الصّنيعة بإقرارها في مغارس الاستطابة والاستنجاب، ويرشّح لخدمه من عرف ذكره بأنه فائح، وعرف عرفه ناصع ناصح، ويبوّيء جنان إنعامه من أحسن عملا، واستحقّت منزلته من الكفاية أن تكون له بدلا، ولم تبغ تصرّفاته في كل الأحوال عنها حولا، ودرّجته خصائصه العلية فاقتعد صهوات الدّرجات العلى، واستحقّ بفضل تفضيله أن يولى الجميل جملا، وعرضت خلاله على تعيين الانتقاد فاقتضاها ولا يتضاهى، وزويت مسالك الغناء بصدره فضاهى فضاها.
ولما كنت أيّها القاضي المشتمل على هذه الخلال اشتمال الرّوض على الأزاهر، والأفق على النّجوم الزّواهر، والعقود على فاخر الجواهر، والخواطر على خطراتها الخواطر، والنّواظر على ما تصافح من الأنوار وتباشر، المثري من كل وصف حسن، المتبوع الأثر بما فرض من المحاسن وسنّ، الكاليء ما تستحفظ بعين كفاية لا يصافح أجفانها وسن، الأمين الذي تريه أمانته متاع الدنيا قليلا، وتصحبه ناظرا عن نضارتها كليلا، والمؤثر دينه على دنياه، المطيع الذي لا يسلو العصبة عن هواه، المخلص النية في الولاء و «لكلّ امريء ما نواه» الناصح الذي ينزّه ما يلابسه عن لباس الرّيب، البعيد عن مظانّ الظّنون فلا تتطلّع الأوهام منه على عيب غيب، النقيّ الساحة أن يغرس بها وصمة، التقيّ الذي لا تخدع يده عن التمسّك ما استطاع بحبل عصمة، المحتوم الحقوق بأن يستودع دهر الوفاء، المتوسّل بمواتّ توجب له الإيفاء على الأكفاء، المستقيم على مثل الظّهيرة كهلا ويافعا، الشافع بنفسه لنفسه وكفى بالاستحقاق شافعا؛ وحسبك أنك حملت الأمانة وهي حفظ الكتاب، وأطلق الله به لسانك فشفيت القلوب من