الأوصاب، ووصل به سببك إلى رحمته يوم تنقطع الأسباب، وأصبح محلّك في الدارين آهلا أثيرا، وكنت ممن قال الله فيه: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً
«١» .
وقد خالطت في مواكب أمير المؤمنين المعقّبات التي من بين يديه ومن خلفه، وقربت من مجالسه المشتملة منه على عنوان عناية الله بالبريّة ولطفه، ونوره الذي كلّت العيون عن كشفه والحيل عن كسفه، وتقدّمت بخدمة الخلفاء الراشدين، أمراء المؤمنين، إلى سوابق سبقت بها في كل مضمار، وجمعت في المخالصة فيها بين الإعلان والإضمار، وسبر التجريب حالتيك بصحائف خبرة، واستمرّت بك الحال في القرب منهم وفي تقلّب الأحوال عبرة، وتدرّجت في حجب القصور، وبدت لك الغايات فما كنت عنها ذا قصور؛ فكانت التّقدمة لك مظنونة وبك مضمونة، وسريرتك على الأسرار المصونة مأمونة، وما اعوجّت معالم إلا وكان تقويمها بتقويمك، ولا استيقظت حيلة فخاف الحقّ سبيل غيّها بتهويمك «٢» ؛ وإنّ كل قائل لا يملك من إصغاء أمير المؤمنين ما تملك بتلاوة الذّكر الحكيم، ولا يسلك من قلبه ما تسلك بمعجز جدّه العظيم؛ فأنت تخدم أمير المؤمنين بقلبك مواليا، وبلسانك تاليا، وبنظرك مؤتمنا، وبيدك مختزنا، لا جرم أنك حصدت ما زرعت طيّبا، وسقاك ما استمطرت صيّبا، وزفّت لك الأيادي بكرا وثيّبا، وحللت يفاع المنازل مستأنسا إذا حلّ غيرك وهداتها متهيبا.
فأمّا حرمتك التي بوّأتك من الاختصاص حرما، وجعلتك بين الخواصّ علما، وتوالي يدك بلمس ما حظي من الملابس بصحبة جسده الطاهر، واشتمل على زهر النّضار وزهر الجواهر، فذلك جار مجرى السّكة والدّعوة في أنهما أمانة تعم العباد والبلاد، وهذه أمانة تخصّ النّفوس والأجساد، ولك مما في خزانته وكالة