واستدعت من الثناء والإطراء ما يتأرّج نشره ويتضوّع ذكره، وتساوى عنده القول والعمل ونافس فيه الخبر الخبر، ورتّبه مرتّبه مقدّما على من مضى من طبقته وغبر، ووسم الأعمال بسمات في العمائر تضاف إليه وتنسب، وغدت الخدم تزهى به وتعجب، وهو لا يزهى ولا ينظر ولا يعجب. كان ردّ المهمّات إليه حسن نظر لها وإذا حظرت جلالة تولّيها على غيره أضحى نفاذه منتهجا له محلّها، وكان التنويه به حقّا من حقوقه وواجبا من واجباته، والمبالغة في تكريمه وتفخيمه مما يتعيّن الانتهاء فيه إلى أقصى آماده وأبعد غاياته.
ولمّا كنت في متولّي الدواوين، مشهور الشأن والقدر، وحالّا من مراتب الكفاة المقدّمين، في حقيقة الصّدر، إن انتظموا عقدا كنت فيه الواسطة، وإن قسط غيرك على معامل لم تكن أفعالك قاسطة؛ ولك السياسة التي ظلّت ساحاتها رحابا، والرياسة التي من وصفك بها فما تملّق ولا داجى ولا حاجى، والصّناعة البارعة التي تشهد بها الطّروس واليراع، والأمانة الوافية التي ارتفع فيها الخلاف ووقع عليها الإجماع، والتصرّف في أنواع الكتابة على تباين ضروبها، والاستيلاء على ظاهرها ومستورها وواضحها ومكتومها، والأخذ لها عن أهل بيتك الذين لم يزالوا فيها عريقين، ولم ينفكّوا في مداها سابقين غير ملحوقين؛ وقد زدت عليهم بما حزته بهمّتك، ونلته بقريحتك، حتّى بلغت منها ذروة شامخة عليّة، وحصّلت فضيلتين فضيلة ذاتيّة وفضيلة عرضيّة، وأمنت من يباريك ويساجلك، وكفيت من يناوئك ويطاولك؛ وكان الديوان المرتجع عن بهرام وغيره من أجلّ الدواوين وأوفاها، وأحقّها بالتقديم وأولاها: لأنه يشتمل على نواح مختارة، ويحتوى على ضياع مكنوفة بالعمارة؛ وقد زاده ميزة على غيره كونك ناظرا فيه، وأنك مدبّر أمره ومستوفيه.
وحضر بحضرة أمير المؤمنين فتاه ووزيره السيد الأجلّ الأفضل الذي عزّ بحسن سيرته الملك وتضاعف بهاؤه، وضمنت مصالح الأمور تدبيراته وآراؤه، وظلّت شؤون الدولة بما يقرّره منتظمة مستقيمة، وغدت الميامن والسّعود مخيّمة في داره مقيمة، واتّفقت على الثناء عليه مختلفات الأقوال، وقضت مهابته بحماية