للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن عددتم لصنائع الله صنيعة، وأباحتكم من اصطفائها كلّ درجة على تعاطي الأطماع عليّة منيعة، وقدّمتكم جيش برّها وبحرها، وكان منكم سيف جهادها ونجم ليلها وفارس كرّها، وصالت بكم على أعدائها كلّ مصال، وأغربت من يليها إلا إذا استقرّت في داركم إلى مصّال؛ وحين خرجت منها خائفا تترقّب، وأبقيت فيها حائفا يتعقّب، كنت الذهب المشهور، الذي ما بهرجه الرّغام «١» ، والحرف المجهور، الذي ما أدرجه الإدغام، وكنت وإن كنت بين الكفّار، عنهم شديد النّفار، وحللت فيهم محلّ مؤمن آل فرعون يدعوهم إلى النجاة وإن دعوه إلى النار، وعدت إلى باب أمير المؤمنين عود الغائب إلى رحله، والآئب إلى أهله، واستقررت به استقرار الجوهر في فصله، والفرع في أصله، وأبان الاستشفاف عن جوهرك الشّفّاف، وخرجت من تلك الهفوات خروج الرياح لا خروج الكفاف، وأعربت السعادة إذ حيّتك بمشيب أسود، وتبع الأماجد غبارك الذي يرفع من طريق السّودد، واعتلقت بعروة الجدّ، فلست من دد ولا منك دد «٢» ، وضبّرت «٣» قلب العيش الأصفى بعد العيش الأنكد؛ لا جرم أن أمير المؤمنين أنساك سيئة أمسك بحسنة يومك، وسما بك إلى أعلى رتب الأولياء وأغناك عن تعرّض سومك، وأنعم بك على قوم ما عرفوا إلا رياسة قومك.

وحضر بحضرة أمير المؤمنين أمين مملكته، ويمين فتكته- السيد الأجل الذي أتى الله به سهما إلى مصر وهي كنانته؛ وأفرده بمزيّة السبق فلا حظّ لمساجله إلا أن تدمى بنانته، ورعى الرعيّة منه ناظر لا تلمّ بناظره مراود الهجود، وقام بالملك منه قائم لا يزال يورده موارد الجود، وأغنته يد الغلاب عن لسان الجلاب، ونال نادرة الأمل في نادرة الطّلاب، وجمّت فتكاته من الهرمين إلى الحرمين، وصرّف الرّمح تصريف القلم وكأنه يصول ويصلّ بقلمين، وردّ الله به العدوّ منخذلا، وطالما لقيه فأقام منجدلا، وأضحى به ذيل النعمة منسحبا وستر الأمنة منسدلا، ودبّر الأمور

<<  <  ج: ص:  >  >>