فأمسكها حازما وعقلها متوكّلا- فأنهى ما لسلفك عند الأئمة الخلفاء من مزيّة الاصطفاء، وما لك في نفسك من الحسنات التي ما برحت بارحة الخفاء، وما اطّلع عليه من خلالك التي ما أخلّت بمنقبة، وأفعالك التي ما تغايرت في يوم ذي نعمة ولا يوم ذي مسغبة، وما لك من وثائق العقود، وما فيك من الأوصاف المؤكّدة لعلائق السّعود، وقرّر لك الخدمة في كذا وكذا- خرج أمر أمير المؤمنين إليه بأن يوعز إلى ديوان الإنشاء بكتب هذا السجلّ لك بالخدم المذكورة وهي التي فرّقت لسلفك وجمعت لديك، كما أن محاسنهم المفرّقة منتظمة العقود عليك:
ليكمّل لك ولايتي الثغر والسيادة في حال، وليسدّ بك ثغر الجهاد وثغر الإمحال، ولتقوم [في هذا]«١» مقام الجحفل الجرّار وفي ذلك مقام الحيا «٢» الهطّال، ولتكون فرائد الإنعام عندك تؤاما «٣» ، وليجعل ابتداء تصرّفك لغيرك تماما، وليختصر لك طريق الكمال، وليجري بك في ميدان الشكر طليق الآمال، فتقلّد ما قلّدته منهما عاملا بتقوى الله التي هي مصالح الأعمال، وميدان الإتحاف والإجمال، وسبب النجاة في الابتداء وعند المآل؛ قال الله سبحانه في كتابه الذي لم يجعل له عوجا:
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً
«٤» .
وابسط العدل على من يحويه هذا الثغر الذي هو ثغر الثّغور الباسم، وأولاها بأن تكون أيامه بأوامر الله وأمر أمير المؤمنين مواسم؛ ففيه من صدور المحافل، وقلوب الجحافل، وعيون المدارس، وأعيان الفوارس، وتجّار الدنيا والآخرة، وأخبار الأمة المقيمة والمسافرة، ووفور مكارم عدل أمير المؤمنين التي هي بالرّجاء واردة وبالرضا صادرة، من يؤثر أن يكون فضل السّكون لهم شاملا، ورداء الأمن عليهم سابلا، وسحاب الإنعام عليهم هاطلا، وحالهم في الاتّساق لا متغيّرا ولا