إلا أنّه لا نبيّ بعدي» لأن الإمام لو تولّى كلّ ما قرب وبعد بنفسه، وعوّل في حيطته على حواسّه، لنصّ ذلك بتطرّق الخلل، ودخول الوهن والشّلل؛ وإنما تستعين الأئمة على ما كفّلها الله بكفاة الأعوان، وأهل النّصرة في الأديان، وذوي الاستقلال والتشمير، والمعرفة بوجوه السياسة والتدبير، والخبرة بمجاري الأعمال، وأبواب الأموال، ومصالح الرجال.
وإنّ أمير المؤمنين لم يزل يرتاد لوزارته حقيقا بها مستحقّا نعتها، جامعا بين الكفاية والغناء، والمناصحة والولاء، والأبوّة والاختصاص، والطاعة والإخلاص، والنّصرة والعزم، وأصالة الرأي والحزم، ونفاسة السياسة والتدبير، والنّظر بالمصلحة في الصغير والكبير، والاحتيال والتأديب، وملابسة الأيّام والتجريب، والانتماء إلى كريم المناجب، بضمير المناصب، ويكّرر في الاختيار تقليده «١» ، ويجيل في الانتقاء تأمّله وتدبّره. وكلّما عرضت له مخيلة قمن «٢» توافق إيثاره، أخلف نوءها، وكلما لا حت له بارقة تطابق اختياره، خبا ضوءها، حتى انتهت رويّته إليك، وأوقفه ارتياده عليك، فرآك لها من بينهم أهلا، وبتقمّص سربالها أولى، وبالاستبداد بإمرتها أحقّ وأحرى: لاشتمالك على أعيان الخصائص التي كان زياد [لها]«٣» جامعا، وحلولك في أعيان المناقب التي لم تزل ترومها متحلّيا بفرائدها، وما شهرت به من إفاضة العدل والإقساط، وإغاضة الجور والإشطاط، وإنالة الحقّ والإنصاف، وإزالة الظّلم والإجحاف، ومراعاة النّصح بإنسانك شاهدا، ومناجاته بحذارك جاهدا، ولنهوضك بالخطب إذا ألمّ وأشكل، والحادث إذا أهمّ وأعضل، وتفرّدك بالمساعي الصالحة، والآثار الواضحة، والطرائق الحميدة، والمذاهب السّديدة، والتحلّي بالنّزاهة والظّلف، والعطل من