فرأى أمير المؤمنين برأيه فيما يريه، ويقضي له بالصلاح فيما يعزم عليه ويمضيه، ويسدّد مراميه ومساعيه، ويتعهّده في جميع مقاصده بلطف تحلو ثماره، وتحسن عليه وعلى الكافّة آثاره، أن قد ولّاك النظر في مملكته، وأعمال دولته:
برّها وبحرها، وسهلها ووعرها، وبدوها وحضرها، وردّ إليك سياسة رجالها وأجنادها، وكتّابها وعرفائها «٢» ، ورعيّتها ودواوينها، وارتفاعها ووجوه جباياتها وأموالها، وعدق بك البسط والقبض، والبرم والنّقض، والحطّ والرّفع، والعطاء والمنع، والإنعام والودع، والتصريف والصّرف، ثقة بأن الصواب منوط بما تسدي وتلحم، وتفيض وتنظم، وتنقض وتبرم، وتصدر وتورد، وتقرّر وتأتي وتذر، فلتهنأ هذه النعمة متملّيا بملبسها، ساريا في قبسها، وتلقّها من الشكر بما يسترهنها ويخلّدها، ويقرّها عليك ويؤبّدها، واعرف ما أهّلك له أمير المؤمنين من هذا المقام الأثير، والمحلّ الخطير؛ فإنّما ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وأنت وإن كنت مكتفيا- بفضل حصافتك، وثقابة فطنتك، وحسن ديانتك، ووثاقة تجربتك- عن التبصير، مستغنيا عن التنبيه والتذكير، فإن أمير المؤمنين لا يمتنع أن يزيدك من مراشده، ما يقفك على سنن الصواب ومقاصده؛ وهو يأمرك بتقوى الله تعالى في سرّك وجهرك، واستشعار خشيته ومراقبته؛ والله قد جعل لمن اتّقاه مخرجا من ضيق أمره وحرجه، ونصب له أعلاما على مناهج فرجه. وأن