للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقارعت أنسابهم وآدابهم، وتشاكهت «١» مواردهم ومصادرهم، وتشابهت أوائلهم وأواخرهم، واتفقت جيوبهم ودخائلهم، وتوضّحت عن الدين والخير مخايلهم؛ هذا مع ما يرعاه أمير المؤمنين من كريم مساعيك في خدمته، وإصابة مراميك في طاعته، واعتصامك بحبل متابعته، ونهوضك بحقوق ما أسبغه عليك من نعمته، رأى أمير المؤمنين- والله تعالى يقضي له في آرائه بحسن الاختيار، ويمدّه بالعون والتأييد في مجاري الأقدار- أن قلّدك النّقابة على الأشراف الطالبيّين أجمعين، المقيمين بالحضرة وسائر أعمال المملكة شرقا وغربا، وبعدا وقربا، ثقة بأنّك تصدّق مخيلته فيك واعتقاده، وتستدعي بكفاية ما استكفاك شكره وإحماده، وتستدرّ بالاستقلال والغناء أخلاف إحسانه وفضله، وتمتري بالاضطلاع بمضلع الأثقال فائض امتنانه وطوله؛ فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين عاملا بتقوى الله وطاعته، مستشعرا لخيفته ومراقبته، وأحسن رعاية من عدق بك رعايته، وسياسة من وكل إليك سياسته، واعلم أنّ أمير المؤمنين قد ميّزك على كافّة أهل نسبك، وجميع من يواشجك في حسبك، وجعلك عليهم رئيسا ولهم سائسا، فاعرف لهم حقّ القرابة والمشابكة، وتشاجر الأنساب والمشاركة؛ فإن الله تعالى يقول: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى

«٢» ، وعمّهم جميعا بالتوقير والإكرام، والتفقّد والاهتمام، واتّخذ شيخهم أبا، وكهلهم أخا، وطفلهم ولدا، وافرض لهم من الحنان، والإشفاق والفضل والإحسان، ما تقتضيه الرّحم الدانية، والأواصر المتقاربة، وكن مع ذلك متفقّدا لأحوالهم، مطالعا لسيرهم وأفعالهم؛ فمن ألفيته سالكا لأقصد الطرائق، متخلّقا بأجمل الخلائق، حارسا لشرفه، متشبّها بسلفه، فزده في الأثرة زيادة ترغّب أمثاله في اقتفاء مذهبه، وتبعثه على التأدّب بأدبه، ومن وجدته مستحسنا ما لا يليق بصريح عرقه، راكبا ما ليس من طرقه، فأيقظه بنافع الوعظ، وذكّره بناجع اللّفظ؛ فإن استقام على الطريقة المثلى، ورجع

<<  <  ج: ص:  >  >>