رأى- وبالله التوفيق- أن يقدّمك على جيوش المسلمين، وبعوثهم الشاخصة إلى جهاد المشركين؛ فقلّدك الحرب والأحداث بها، وعقد لك لواء بيده يلوي إليك الأعناق، وينكّس لك رؤوس أهل الشّقاق، وشرّفك بفاخر ملابسه وحملانه، وضاعف لديك موادّ إحسانه، وحباك بطوق من التّبر، مرصّع بفاخر الدّرّ، عادقا هذه الخدمة منك بالنّصيح المأمون، والنّجيح الميمون، الذي تتوضّح فيه أنوار اللّبابة، وتلوح عليه آثار النّجابة، واثقا بما تنطوي عليه من الإخلاص والولاية، وتتحلّى به من الغناء والكفاية، ويفترضه من الاستمرار على سنن الطاعة، والاستقامة على سمت الانقياد والتّباعة، وتوجبه من مناصحة المسلمين، والتشمير في نصرة الدين.
فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين مستشعرا تقوى الله وطاعته في الإسرار والإعلان، معتقدا خيفته ومراقبته في الإظهار والإبطان، مخلص القلب، رابط اللّبّ، واثقا بنصر الله الذي يسبغه على خلصائه، ويفرغه على أوليائه، وآخذا بوثائق الحزم، متمسّكا بعلائق العزم، ناظرا من وراء العواقب، متفرّسا في وجوه التجارب، مقلّصا سجوف الآراء بإضفاء غيار التدبير، ممرّا مرائر التقرير، موغلا في المخاتل والمكايد، حارسا للمطالع والمراصد، يقظان النفس والناظر، متحرّزا في موقف الواني والمخاطر، وأن تتوجه على بركة الله وعونه وحسن توفيقه، ويمن تأييده، بعد أن تتسلّم من الجيوش المنصورة جرائد «١» بعدّة رجال أمير المؤمنين السائرين تحت رايتك، المنوطين بسياستك، وتعرضهم عليها، فتتخيّر من شهرت بسالته وكفاحه، وعتق «٢» جواده وكمل سلاحه، وعرف بصدق العزيمة في مقارعة الأعداء، وحسن الطويّة في الإخلاص والولاء، وتستبدل بالورع «٣» الجبان، والرّعديد