الأمصار، وتستأنف بمقارنتك من الميزة ما لم تحظ به فيما سلف من الأعصار، ويتضح بك البرهان لمن بالغ في تفضيلها، وتنال من فائض العدل بسيرتك ما تكاد تغنى به عن نيلها؛ فتقلّد ما قلدك أمير المؤمنين من ذلك: معتمدا على تقوى الله الذي إليه تصير الأمور، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور؛ قال الله تعالى في محكم كتابه المبين: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
«١» ، واجعل من تحويه هذه المدينة بالعدل مشمولين، وعلى أجمل السّيرة والرسوم محمولين، وساو في الحكم بين الشريف والدّنيّ، وآس في المقدار بين الملّيّ والذّمّيّ، وأقم الحدود على من تجب عليه بمقتضى الكتاب وصحيح الآثار، ولا تتعدّها بإقلال ولا إكثار. وفي هذه المدينة من ذوي الأنساب، وأعيان الأجناد ومتميّزي الكتّاب، وأماثل الشهود: فاعتمد تمييزهم والاحتفاء بهم، ومعونتهم على مطالبهم ومحابّهم، وكذلك من تضمّنت هذه الولاية من التّجّار والرعية، وتوخّهم بما يسكّن جاشهم، ويزيل استيحاشهم، ويفسح لهم في الرجاء والأمل، ويعينهم على صالح العمل؛ وتقدّم بحفظ الجامع العتيق «٢» وصونه وتوفيره، على ما يليق به وتوقيره، وامنع من ابتذاله في غير ما جعل له، ونصب له، من الإعلان بذكره فيه وأهله، ووفّر تامّ العناية، وشامل الرّعاية، على من به من الفقهاء والعلماء والمتصدّرين والقرّاء، وحضّهم بالتكرمة على المبالغة في طلب العلوم، والتزوّد من صالح الأعمال ليوم الوقت المعلوم، وخذ جميع المستخدمين معك بلزوم الطرائق الحميدة، والمقاصد المستوفقة السديدة؛ فمن استمرّ على ما ترضاه من اجتهاده، وتستوفقه من صواب اعتماده، أجريته على رسمه في الرعاية، وتوخّيته