المسلمين فأصلح وصلح، وتسمّح إذا كان الحقّ له وإذا ما كان فيه فما أسمح ولا سمح «١» ، وجدّد جدّه من معالم العلوم ما صحّ رسمه وأمحّ «٢» ، وأطلعته على خفايا المشكلات بديهة فكره لمّا لمح، وملك عنان هواه رأيه فجنح إلى هواه وما جمح، وشرح صدر الاختيار بما ملأ الأخيار من محاسنه وشرح، وتعالى الاقتراح لهذه المرتبة فكان وفق ما أراد وفوق ما اقترح، وتشبّث بعين الأعمال الصالحة وتمسّك، وتنزّه عن داء يلازمها وأعراض تشينها وتنسّك، وكثر الخوض في الباطل فإما صدع بالحق وإمّا أمسك، وأعدى فصله وفضله على من شكا أو شكّ، وغضّ عينيه عمّا أعطي سواه ومتّع به، واشترى طول راحته بنصيبه الآن من نصبه، وحسره «٣» النعمة من تعبه، وأيس الظالم من ممالاته ومبالاته، وطمع المظلوم بقرب إعاناته وبعد إعناته «٤» ، ومرّ مرّ الدهر وحلا حلوه فلم يشهد باستمالاته عن حالاته، ولم يرض أحد به حكم صرف دهر يجري بأذاته، ولا كشفت منه التجارب إلا عن البصائر التي تروق السّمّاع والنّظّار، والحسنات التي قضت بصائرها بقضاء مناظرة الأنظار، والديانة التي عمرت المحاريب في الليل وأطراف النهار، والأمانة التي استمسك عقدها فما خيف عليه أن يتداعى ولا أن ينهار، والصيانة التي استوى فوق مركبها فحلّت بجنّات عدن تجري من تحتها الأنهار.
ولمّا كنت أيّها القاضي ملتقى هذه الأوصاف وطيّعها، ومشرق نحرها ومطلعها، وملقى عصا ارتيادها ومنجعها، ومورد فرط تلك الأموال ومشرعها، ومراد هذه السّمات التي تقع منك موقعها، وتألف عندك موضعها، وأصل هذه المحامد التي إن استعلقت بسواه فمنه فرّعها، وقارع صفاة هذه الذّروة التي ما كان لغيره أن يقرعها، ومن تعدّه الخناصر أتقى كفاة الرتب وأورعها، وأبلج أباة الرّيب وأردعها، وأشدّها قياما ومقاما في ذات الله وإن كان له أطوعها، وأمضاها حدّا إذا