وذلّلت رياضته الأسود فلم ترع الأسماع بزأرها ولا العيون بزيارتها- يعدّك «١» للصّدور صدرا، ويعدك بما يرفع ذوي الأقدار قدرا، ويذكرك بما تطيب به نشرا، ويحسن ملبوسه بشرا، ويراك أولى من أقام الحقّ لازما جوادّه «٢» ، وأقعد الباطل حاسما موادّه، ويصفك بالعدل الذي يتألّم عليه الأضداد، والسّداد الذي لا يضرب بينك وبينه بالأسداد، والنزاهة المنزّهة عن التصنّع بالرياء، والسريرة الطيّبة النّشر والسيرة الحسنة الرّواء.
ولما قرّر لك النيابة عنه في الصلاة والخطابة والقضاء والمظالم والإشراف على الجوامع والمساجد ودار ضرب العين «٣» والورق والسّكّة بالحضرة وسائر أعمال المملكة، أمضى أمير المؤمنين ما قرّر، وتخيّر لهذه العطية من تخيّر، سكونا إلى أمانتك التي حملت نوقها، وركونا إلى ديانتك التي أوجبت تطلّع هذه الرتبة إليك وسوقها، وعلما أنك فارسها الذي اتّسع ميدانه، وواحدها الذي رجح ميزانه، وكفؤها الذي تمكّن مكانه؛ فتقلّد ما قلّدت من ذلك عاملا بتقوى الله التي يفوز العامل بها في مواقف الإسخاط، ويجوز بها السالك متالف الصراط، ويحوز بها الآمل معارف الاحتياط؛ قال الله في فرقانه الذي نزله على عبده ليكون للعالمين نذيرا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً
«٤» .
والحكم فهو عقد اللباس دنيا ودينا، وسبيل الحق الذي يسلكه من جرى شمالا وسلك يمينا، وبه كفّ الله الأيدي المتعدّية، وأنقذ من النار النفوس المتردّية، وأقام حدود كلّ من استحقّها ولم يتوقّها، وأوجب قصاص الدماء على من أراقها واستباح رقّها، وبه يقف القويّ والضعيف موقفا واحدا، ويظهر أولو عدل