الآثام فيما حلّل وحرّم، وإلى علمهم انتهت مقاطع الحقوق التي الله بها أعلم؛ وما سرى حكم إلا بعد أن تجد أقواله دليلا، ولك السمع ولهم البصر وكلّ أولئك كان عنه مسؤولا؛ واستشفّ أمورهم فمن ألفيته آلفا لمحجّة الصواب، عائفا لمضلّة الارتياب، لا يحاف بالإغضاب، ولا يخاف بالإرهاب، ولا يحسب حسابا إلا ليوم الحساب، فاسمع مقالته، وأقرّ عدالته، ومن كان عن السبيل ناكبا، وللهوى راكبا، فأرجله عن ظهر العدالة، وتتبّع زلله بالإزالة، وواصل فيهم ألسنة حكمك، وأوجه علمك، فلا تستنب إلا من تعلم أن خطأه عليك وصوابه لك، ولا تعوّل إلّا على من لا يخجل نفسك ولا يذمّ تعويلك.
وكاتبك فقلمه لسانك، ولسانه ترجمانك، إن وقّع فإليك تنسب مواقع توقيعه، وإن وصل حكما بمسطوره فمقدارك مسطور من مسموعه؛ فلا ترض بالدّون فيما يدوّن، ولا تعوّل إلا على كل من تصوّر وتصوّن.
وحاجبك فهو عينك وإن سمّي حاجبا، ووجهك الذي تلقى به إذا كنت غائبا؛ فاختر من يكون متخيّرا في المقال، متحلّيا بحسن الفعال، مجرّبا في جميع الأحوال، لا يلتفت إلى دنيا دينه، ولا يخونك أمانته ولا تمتدّ يمينه، ولا يقول عنك ولا عن نفسه إلا ما يزينك ويزينه، ولا يخفّ إلى ما تخفّ به موازينه.
والخطباء فرسان المنابر، وألسنة المحاضر، وتراجم الشعائر، وأئمة المجامع، وسفراء القلوب بوساطة المسامع لمقامها الرافع، ومبرّها الفارع من القلوب على دائها، وتدحر حربه شياطين الأمم عند اعتدائها، ويعرب عن الهداية ويبالغ بلاغته في إهدائها، ويتقن مخارج الحروف محسنا في أدائها وإبدائها، وتحلّ موعظته عن العيون الجامدة عقد وكائها «١» ، وينادي القلوب الصّدية فيكون صداه صوب بكائها، ويستشعر أردية الوقار فتشهد المنابر له بارتدائها، وتغذي النفوس مواعظة إذا قصدته باستنصارها على القلوب واستعدائها.