والأيتام فأنت لهم والد، وأجر نفقتك عليهم في الصحيفة وارد، وهم ودائع الله لديك، وذخائر الآباء إلّا أنهم في يديك؛ فأحسن بهم السياسة بالشّفقة، وأحسن لهم التدبير بالنّفقة؛ ومن آنست رشده، فادفع ماله إليه، ومن لم تسترشد قصده، فأنفق منه عليه؛ قال الله تنبيها وتحذيرا: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً
«١» .
والمساجد بيوت الله التي يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال، ومظانّ العبادة التي يعمرها أهل الاعتلاق بمعروفه والإفضال، ومصاعد الكلم الطيب والعمل الصالح، وأسواق الآخرة التي يوجب فيها المشترون صفقة البيع الرابح، فعبّد الطريق إلى زيارتها، واشرح قلوب المتطهّرين بطهارتها، وانس القائمين بالليل والمستغفرين بالأسحار بإنارتها.
والمضروب بدار الضرب فهو عين ما تجب عليه الزّكوات، ونفس ما تحاز [به]«٢» المستملكات، ومدار ما تشتمل عليه المعاملات، وقيم ما تحقن به الدماء في الدّيات، ومنتهى ما توفّى به الصّدقات، وتوصي به الصدقات؛ فتولّ أخذ عياره، ومباشرة تصفية درهمه وديناره، وأخلصه لتنجو من النار بلفحات ناره، واحفظ شكله الذي ينقش خاتم جوازه؛ والأسماء المسطّرة عليه وسيلة امتيازه على بقية الأحجار وإعزازه.
والوكالة على باب الحكم فهي كفاح المتناضلين، وسلاح المتناصلين؛ ومن ينتفع بها لا يعزل من الخطاب، كما لا ينصّب بها من يفتح له الباطل الأبواب؛ فلا توعها إلا لمن حسمته الدّربة، في السرعة من القربة، وتدبر قول الله: وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ
«٣» ممن يؤمن على النساء والرجال، ولا يعجبه إرسال لسانه في الحلال، ولا يبطل الحق إذا أطلق لسانه في سعة المجال.