محمد نبيّه الذي ابتعثه رحمة للعالمين، فأوضح معالم الدين، وشرع ظواهره للمسلمين، وأودع بواطنه لوصيّه سيد الوصيين: عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين، وفوّض إليه هداية المستجيبين، والتأليف بين قلوب المؤمنين، ففجّر ينابيع الرّشاد، وغوّر ضلالات الإلحاد، وقاتل على التأويل كما قاتل على الرسل، حتى أنار وأوضح السّبل، وحسر نقاب البيان، وأطلع شمس البرهان، صلّى الله عليهما، وعلى الأئمة من ذرّيّتهما، مصابيح الأديان، وأعلام الإيمان، وخلفاء الرحمن، وسلّم عليهم ما تعاقب الملوان، وترادف الجديدان «١» .
وإنّ أمير المؤمنين- بما منحه الله تعالى من شرف الحكمة، وأورثه من منصب الإمامة والأئمّة، وفوّض إليه من التوقيف على حدود الدين، وتبصير من أعتصم بحبله من المؤمنين، وتنوير بصائر من استمسك بعروته من المستجيبين- يعلن بإقامة الدعوة الهاديّة بين أوليائه، وسبوغ ظلّها على أشياعه وخلصائه، وتغذية أفهامهم بلبانها، وإرهاف عقولهم ببيانها، وتهذيب أفكارهم بلطائفها، وإنقاذهم من حيرة الشّكوك بمعارفها، وتوقيفهم من علومها على ما يلحب لهم سبل الرّضوان، ويفضي بهم إلى روح الجنان وريح الحنان، والخلود السرمديّ في جوار الجواد المنّان- ما يزال نظره مصروفا إلى نوطها بناشيء في حجرها، مغتذ بدرّها سار في نورها: عالم بسرائرها المدفونة، وغوامضها المكنونة، موفّرا على ذلك اختياره، وقاصية انتقاده واختباره، حتّى أدّاه الاجتهاد إليك، ووقفه الارتياد عليك، فأسندها منك إلى كفئها وكافيها، ومدرهما «٢» المبرّز فيها، ولسانها المترجم عن حقائقها الخفيّة، ودقائقها المطويّة، ثقة بوثاثة دينك، وصحّة يقينك، وشهود هديك وهداك، وفضل سيرتك في كل ما ولّاك، ومحض إخلاصك، وقديم اختصاصك، وأجراك على رسم هذه الخدمة في التشريف والحملان، والتنويه ومضاعفة الإحسان؛ فتقلّد ما قلّدك أمير المؤمنين مستشعرا للتقوى، عادلا عن