بالمعزّيّة القاهرة، وصن أسرار الحكم إلا عن أهلها، ولا تبذلها إلا لمستحقّها، ولا تكشف للمستضعفين ما يعجزون عن تحمّله، ولا تستقلّ أفهامهم بتقبّله، واجمع من التبصّر بين أدلّة الشرائع والعقول، ودلّ على اتصال المتل بالممنون «١» ؛ فإن الظواهر أجسام والبواطن أشباحها، والبواطن أنفس والظواهر أرواحها، وإنه لا قوام للأشباح إلا بالأرواح، ولا قوام للأرواح في هذه الدار إلا بالأشباح، ولو افترقا لفسد النّظام، وانتسخ الإيجاد بالإعدام. واقتصر من البيان، على ما يحرس في النفوس صور الإيمان، ويصون المستضعفين من الافتتان، وانههم عن الإثم ظاهره وباطنه، وكامنه وعالنه، فإن الله تعالى يقول: وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ
«٢» .
واتّخذ كتاب الله مصباحا تقتبس أنواره، ودليلا تقتفي آثاره، واتله متبصّرا، وردّده متذكّرا، وتأمّله متفكرا، وتدبّر غوامض معانيه، وانشر ما طوي من الحكم فيه، وتصرّف مع ما حلّله وحرّمه، ونقضه وأبرمه، فقد فصّله الله وأحكمه، واجعل شرعه القويم الذي خصّ به ذوي الألباب، وأودعه جوامع الصلوات ومحاسن الآداب، سببا تتّبع جادّته، وتبلغ في الاحتجاج محجّته، وتمسّك بظاهره وتأويله ومثله، ولا تعدل عن منهجه وسبله، واضمم نشر المؤمنين، واجمع شمل المستجيبين، وأرشدهم إلى طاعة أمير المؤمنين، وسوّ بينهم في الوعظ والإرشاد، والله تعالى يقول في بيته الحرام: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ
«٣» ، وزدلهم من الفوائد والموادّ على حسب قواهم من القبول، وما يظهر لك من جودة المحصول، ودرّجهم بالعلم ووفّ المؤمن حقّه من الاحترام، ولا تعدم الجاهل عندك قولا سلاما كما علّم ربّ السلام، وتوخّ رعاية المؤمنين، وحماية المعاهدين، وميّزهم من العامّة بما ميّزهم الله من فضل الإيمان والدين، وألن لهم جانبك واحن عليهم