الذكر مسطورة، والحرمات التي شهدت بها الأيام والليالي، والمواتّ التي انتظمت في سلوك التصرّفات إنتظام اللآلي، والصّفات التي زهت بها أجياد المحامد الحوالي؛ وله الخبرة بقوانين هذا الثغر وأحكامه، والعادة التي لا خلاف أنها لمصالح ما يباشره وإحكامه، وأنت مقدّم أرباب السيوف في الثّغر وهو مقدّم أرباب أقلامه، فاعرف له منزلته في الخدم المنوطة بكفالته، والأمور المحوطة بإيالته، ووفّه من أثر الإكبار حقّه، ويسّر فيما اشتدّ عليه من معونتك طرقه، وأعن الداعي على ما هو بسبيله من الإرشاد، وقم في إعلاء مناره قيام المغرم الشاد.
والأموال أولى ما صرفت إليها همّك، ووقفت عليها عزمك، فاستنهض المستخدمين فيما يستادى، ولا تمكّنهم أن يحدثوا رسما ولا يسقطوا معتادا؛ ولا بدّ من المقام بظاهر البحر مدّة انفتاحه، وتفقّد الأسطول المقيم بالميناء تفقّدا يستوعب أسباب إصلاحه، وأذك العيون على سواحله فلم يخل أمر العدوّ من طارق ليل وخاطف نهار، وذدهم عن بغتات هجومهم بما يبلغهم عنك من دوام التيقّظ والاستظهار، واستنهض الرجال في نوائب الخدم وحوادثها، وصرّفهم على موجبات المتجدّدات وبواعثها.
وهذا الثغر ففيه من أرباب الزّوايا العاكفين على العبادات، والعلماء الداعين الناس إلى الإفادات، من لا يدّخر الإكرام إلا لأن يؤدّى إلى استحقاقهم، ولا يصان المال إلا لأن يبذل لاستحقاقهم «١» ؛ فأوصل إليهم ما هو مقرر لهم إيصالا هنيّا، وأعفهم من مؤونة الهزّ «٢» وساقط عليهم رطبا جنيّا، واستنهض لنا دعواتهم فإنها أسهم الأسحار، واستخلص لنا نيّاتهم فهم لنا جند الليل وغيرهم لنا جند النهار؛ والسلام.