للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدت أنامل الأسنّة، مباشرا للصّفاح، إذا ذعرت لها النفس المطمئنّة، جديرا أن يردّ الخيل المغيرة تدمى نحورها، وتمدحك وتذمّها الجراح التي اشتملت عليها ظهورها، وسما للأعداء سيوفك فعندك غمودها وفيهم صدورها- رأينا بما آتاه الله من رأي لا يستأخر أن يستخير، ونظر يستمرّ أن يمتاح من موارد الرّشاد ويستنير، ما خرج به أمرنا من ولايتك لثغر الإسكندرية بعد أن طالعنا مولانا صلوات الله عليه بما رأينا، واسترشدنا بميامن إمضائه ما أمضينا، وفاوضناه فيما فوّضناه إليك وأفضينا، وقضينا حقّ الخدمة فيما استمطرنا من صوب واقتضينا، إذ كان الله قد خصّ خلاله بمواتاة الأقدار، ووقف الميامن على ما يمضيه ويوقفه من أعنّة الإيراد والإصدار، وجعل الخيرة فيما يختار، والحقّ دائرا حيث دار، وأخلص للأولياء المستشعرين بولائه بخالصة ذكرى الدار، وجعل رأيه قطبا في سماء الخلافة عليه في مصالح خلق الله المدار، فصحّح ما عرضناه على مقام خلافته وصوّبه، وناجته بديهة الإلهام بما أغنته عمّا صعّد فيه المستشير وصوّبه، وخرج إلينا بأن يمضى لك هذا الأمر، ويفوّض إليك هذا الثغر؛ فلتقابل هذه النعمة بشكر يوجب استيفاء باقيها، واعتداد يمهّد درجات مراقيها، متنجّزا وعد الله لمستوفيه بإيلاء المزيد، الجدير بإحالته من حالة التقليد إلى حالة التّخليد، جاعلا تقوى الله حجته فيما يقطعه ويصله، وعمدته فيما يمنعه ويبذله، قال الله سبحانه في كتابه الذي فضّله على كل كتاب: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ

«١» ؛ ولا تجعل في حكمك بين الخصماء فرقا وإن عدل أحدهما، وليكن على الحق الذي لا مفاضلة فيه مقعدهما عندك وموردهما، وانتصف للمظلوم من الظالم، واعمل في ذلك عمل من لا تأخذه في الله لومة لائم، وأقم الحدود متحرّيا، وأمضها إمضاء من لا يزال بعين طاعة الله متحلّيا، ونفّذها غير مكثر ولا مقلّ، فإن المكثر متعدّ والمقلّ مخل. وقد علمت ما للقاضي من التّقدمة الشهيرة، والرّتبة الأثيرة، والمساعي التي هي بألسنة الحمد مأثورة، والأقوال التي هي في صحائف حسن

<<  <  ج: ص:  >  >>