الأوامر المطاعة أو ذوو العلوم؛ وقد منحنا الله هذين الوصفين كليهما، وجعلنا من المسخلفين عليهما.
فلنبدأ أوّلا بحمده الذي هو سبب للمزيد، ثم لنأخذ في القيام بأمره الذي هو على كلّ نفس منه رقيب عتيد؛ ولا ريب أن إصلاح العباد يسري إلى الأرض حتّى تزكو بطونها، وتنمو عيونها، ويشترك في بركات السماء ساكنها ومسكونها؛ والأمر بذلك حمل إن لم تتوزّعه الأكفّ ثقل على الرقاب، وإذا انتشرت أطراف البلاد فإنها تفتقر إلى مساعدة من مستنيب ومستناب؛ وقد اخترنا لمدينة كذا رجلا لم نأل في اختياره جهدا، وقدّمنا فيه خيرة الله التي إذا صدقت نيّتها صادفت رشدا، وهو أنت أيها الشيخ فلان.
فابسط يدك [بقوّة]«١» إلى أخذ هذا الكتاب، وكن حسنة من حسناتنا التي ثمّ يرجح بها ميزان الثواب، وحقّق نظرنا فيك فإنه من نور الله الذي ليس دونه من حجاب.
واعلم أنّ أمر الشريعة مبنيّ على التيسير لا على التعسير، ولا يضع اللسان موضع السوط إلا من أوتي زيادة في التفسير؛ وفي سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مندوحة لمن لزمها، وهي هدى لمن عمل بها ونور لمن علمها؛ ويكفي من ذلك قصة الأعرابي الذي أتى حاجته في المسجد فسارع الناس إليه، فنهاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال:«إنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين، ثم دعا بذنوب «٢» من ماء فصبّه عليه وقال: يا أخا العرب إنّ المساجد لم توضع لشيء من هذا وإنما وضعت للصّلاة وقراءة القرآن» .
فانظر إلى هذا الرّفق النبويّ الذي شفى وكفى، وعفّى على أثر المعصية لمّا عفا؛ ولو دعا ذلك الأعرابيّ لمثلها لنقل عن لين التهذيب، إلى