الألسنة، الممنوح فضله، في سائر الأزمنة، الملموح عليه آثار القبول الظاهر من عناية الله لما نواه من الخير لخلق الله وأبطنه، فهو عاضد السلطنة الذي حلّ من العلياء موطنه، وكافل المملكة الذي سبق إلى كلّ مجد فأدركه، وسيف الدولة الحامي الحوزة البادي الصّولة، ومن له اشتمال على العليا، ومن يقارن التحقيق له رأيا، ولا يباين التوفيق له سعيا، ويعاون الهدى والنهى على طول المدى له أمرا ونهيا، ويعاين الورى لسلطاننا المنصور منه مهديّا يجمل لدولتنا حفظا ويحسن لملكنا رعيا.
وكان فلان هو الذي لم يزل متعيّن المحاسن، متبيّن الميامن، متمكّن الرّياسة في كل الأماكن؛ فحلمه إذا اضطربت الجبال الرّواسي ثابت ساكن، وعلمه الزائد بأوضاع السّياسة وأنواع النّفاسة للوجود من بهجته زائن، ورأيه الصائب للبلاد والعباد صائن، ورعيه للخلق بالحق: القويّ منه خائف والضعيف إليه راكن، وبشره هاد للرائي وباد للمعاين، وذكره الجميل سائر في الآفاق والأقطار والمدائن، حتّى أظهر الله تعالى بإمداد نيّرنا الأعظم من إشراق بدره الكامل ما هو في سرّ الغيب كامن، وشهر سيفه الذي يغدو الإيمان من مهابته في كنف منيع وحرم آمن.
ولما مضت على منصب النيابة الشريفة في أيّام والدنا الشهيد بضع سنين، وانقضت الأيام والليالي والدهر بموهبتها ضنين، ولا وطيت لها ربوة، ولا امتطيت لها صهوة، وكانت في سلك ملكه مندرجة، وبصفو سلطنته ممتزجة، إلى أن قضى عليه الرّضوان النّحب، وأفضى من الجنان إلى المحلّ الرّحب، رأينا بعده بمن كان يتحقّق ودّه أن نستأنس، وأمضينا وصيّته المباركة في اختيار ثمرة الإخلاص بمن كان له الاختصاص يغرس، وأفضينا إليه بالمناب عنّا لما كان من أنوار والدنا الشهيد في كل تسديد يقتبس، ومن الاستئثار بمجالسته يفوز فيحوز حكم الحكم لأنه كان أمير ذلك الملجس، وقضينا باعتماد أمره الكريم بعد أمرنا الشريف: لأنه الخبير الذي لا ينبهم عليه شيء من خفايا القضايا ولا يلتبس- اقتضى حسن الرأي الشريف إلقاء ما في أيدينا من مقاليد الممالك إلى