من تدقيق النظر الغاية القصوى، وتنفذ أحكامه في البريّة فلا يوجد لها مخالف، وتحذر شيعة الباطل سطوته فلا يرى لباطل محالف، ويشتهر عنه من نصرة الحق ما يأمن معه المستضعف الخائف، ويتحقّق فيه من قيام العدل ما يرتدع به الظالم الحائف، ويستوي عنده في لزوم الحق القويّ والضعيف، ولا يفرّق في لازمه بين المشروف والشريف، ولا يميّز في حمل الأعباء الشرعيّة بين الشّاق وغيره ولا بين الثقيل والخفيف، ولا يحابي قريبا لقرابته، ولا جليلا لجلالته، ولا ظالما خوف ظلمه ولا ذا استطالة لاستطالته، ولا يستزلّه ذو لسن للسنه ولا بليغ لبلاغته، ولا يخالف بين الصديق الملاطف وغيره إلا في منع قبول شهادته.
ولما كان المجلس العاليّ القاضويّ، الكبيريّ، الإماميّ، العالميّ، الصّدريّ، الرئيسيّ، الأوحديّ، العلّاميّ، الكامليّ، الفاضليّ، المفيديّ، الفريديّ، الحجّيّ، القدويّ، الخاشعيّ، الناسكيّ، الحاكميّ، الجماليّ، جمال الإسلام، شرف الأنام، حاكم الحكّام، أوحد الأئمة، مفيد الأمّة، مؤيّد الملّة، معزّ السنّة، شمس الشريعة، سيف المناظرين، لسان المتكلمين، حكم الملوك والسلاطين، خالصة أمير المؤمنين؛ أبو المحاسن «يوسف البساطيّ» المالكيّ- أدام الله تعالى نعمته- هو المراد من هذه الصّفات، التي وقعت من محلّه الكريم موقعها، والمقصود من هذه السّمات، التي ألفت من سيرته الفاضلة موضعها، وقارع صفاة هذه الذّروة التي ما كان ينبغي لغيره أن يقرعها، وشمس الفضل الحقيق بمثلها أن لا يتوارى جمالها بحجاب الغروب، وفاصل مشكلات القضايا إذا اشتد إشكالها وعظمت في فصلها الخطوب، ومتعيّن الولاية التي إذا كانت في حقّ غيره على الإباحة كانت في حقّه على الوجوب؛ وقد درّب الأحكام وخبرها، وعرف على التحقيق حالها وخبرها، وورد من مشاربها الرائقة أصفى المناهل فأحسن وردها وصدرها، ونفست جواهر فوائده ففاقت جواهر المعادن، وغطّت محاسن فضله فضائل غيره ولا تنكر المحاسن ل «يوسف» وهو «أبو المحاسن» ؛ فعلومه المدوّنة بالبيان والتحصيل كافلة، ومقدّمات تنبيهاته بنتائج النّوادر الحسنة متواصلة، وتهذيب ألفاظه المنقّحة تؤذن