بالتحرير، وعيون مسائله المتواردة لا تدخل تحت حصر ولا تقدير؛ فلو رآه «مالك» لقال: ما أعظم هذه الهمّة، أو أدركه «ابن القاسم» لوفّر من الثناء عليه قسمة، أو عاصره «ابن عبد الحكم» لحكم له بأنّ سهمه قد أصاب الغرض وغيره أطاش الريح سهمه، أو عاينه «أشهب» لقال قد ركب هذا الشّهباء أنّى يلحق، أو سمع «ابن وهب» كلامه لقطع بأنه هبة ربّانيّة وبمثله لم يسبق، أو بلغ «ابن حبيب» خبره لأحبّ لقاءه. أو بصر به «سحنون» لتحقّق أنه عالم المذهب ما وراءه، أو استشعر بقدومه «ابن سيرين» لبشّر به، أو جاوره «ابن عوف» لعاف مجاورة غيره أو مجاوزة طنبه، أو جالسه «ابن يونس» لتأنّس بمجالسته، أو حاضره «أبو الحسن بن القصّار» لأشجى قلبه بحسن محاضرته، أو جاراه «القاضي عبد الوهّاب» لقضى بعلوّ مكانته، أو اتّصل ذكره «بالمازريّ» لزرى على «مازر» لبعدها عن دار إقامته، أو اطّلع «القاضي عياض» على تحقيقاته لاستحسن تلك المدارك، أو ناظره «ابن عبد السلام» لسلّم أنه ليس له في المناظرة نظير ولا في تدقيق البحث مشارك، أو مرّ به «ابن الجلّاب» لجلب فوائده إلى بلاده، أو حضره «ابن الحاجب» لتحقّق أنه جامع الأمّهات على انفراده.
هذا وقد حفّ بجلال لا عهد لأحد مثله، ولا طاقة لفاضل بمقاومة فضله، ولا يسمح الزمان بنظيره من بعده كما لم يسمح به من قبله؛ فاجتمع من جمال الجلال، وجلال الجمال، ما لم يكن ليدخل تحت الإمكان، وعزّز عددهما من أعلام الأئمة بثالث ورابع فقام بناء الدّين من المذاهب الأربعة على أربعة أركان؛ ولا عبرة بما يذهب إليه الذاهبون من كراهة التربيع تبعا للمنجّمين في اعتقادهم الفاسد، فقد ورد أنّ زوايا الحوض على التربيع وذلك فيه أعظم دليل وأقوم شاهد.
وكان مذهب مالك رحمه الله هو المراد من هذه الولاية بالتخصيص، والمجلس الجماليّ المشار إليه هو المقصود بهذا التفويض بالتنصيص- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نوفّي مرتبته السنيّة حقّها، ونبوّيء النّعم مستحقّها، ونملّك