رقاب المعالي مسترقّها، ونقدّم على طائفة المالكية من أضحى لهم جمالا، ونتحفهم بمن أمسى لعزّهم كمالا، ونفوّض قضاء مذهبهم إلى من إذا جرى في ميدان حكمه قالت محاسن قضاياه:(هكذا هكذا وإلا فلا لا) ، ونسند الأحكام الشرعية إلى من هو بها أعرف، ونقفها على من عرف أنه على الحقائق ماض وعند السّنّة يتوقّف، ونعدق أمرها بمن ألف النزاهة فنكرة المطامع عنده لا تتعرّف، ونكل النظر فيها إلى من أمسى لشروط الاستيجاب جامعا، ونقدّم في ولاية هذا المنصب من شفع له استحقاقه وكفى بالاستحقاق شافعا.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يبسط لأوليائه من بساط الأنس ما كان مطويّا، وينيلهم من رغائب الآمال ما كان عنهم من سالف الأزمان مزويّا- أن يفوّض إليه قضاء قضاة مذهب عالم المدينة، وإمام دار الهجرة، مالك بن أنس الأصبحيّ: قدّس الله تعالى روحه. فليتلقّ ما فوّض إليه بأفضل تلقّ يليق بمثله، ويتقبّله تقبّلا يناسب رفعة محلّه، ويبتهج بأجلّ تفويض لم يسمح بتمنّيه لآخر من قبله.
ومن أهمّ ما نوصيه به، ونوجّه القول إليه بسببه، تقوى الله تعالى التي هي ملاك الأمر كلّه، وقوام الدين من أصله، والاشتمال عليها في سرّه وجهره والعمل بها في قوله وفعله، ثم برّ الخلق والإحسان إليهم، والتجاوز عنهم إلا فيما أوجبه الشرع من الحقوق عليهم؛ ففي التقوى رضا الله وفي البرّ رضا الخلق وناهيك بجمعهما من رتبة فاخرة، إذ لا شكّ أنّ من حصّل رضا الله ورضا الخلق فقد حصل على خير الدنيا والآخرة؛ ووراء ذلك قاعدة في الوصايا جامعة، وتذكرة لذوي الذّكرى نافعة، وهي أن يتأمّل أحوال غيره تأمّل من جعلها لنفسه مثالا، ولنسجه منوالا؛ فما استحسنه منها أتى مثله، وما استقبحه تجنّب فعله؛ واقفا في ذلك عند ما وردت به الشريعة المطهرّة بنص صريح أو تأويل صحيح، معرضا عن العقليّات المحضة فلا مجال للعقل في تحسين ولا تقبيح.
وأما أدب القضاء الجاري ذكر مثله في العهود، والنظر في أمر النّواب