وقد أصبح بالسنّة النبويّة مضطلعا، وعلى ما جمعته طرق أهل الحديث مطّلعا؛ وصحّ في الصحيح أنّ حديثه الحسن، وأنّ المرسل منه في الطلب مقطوع عنه كلّ ذي لسن، وأنّ سنده هو المأخوذ عن العوالي، وسماعه هو المرقّص منه طول الليالي، وأنّ مثله لا يوجد في نسبه المعرق، ولا يعرف مثله للحافظين «ابن عبد البرّ» بالمغرب و «خطيب بغداد» بالمشرق؛ وهو يعلم مقدار طلب الطالب فإنه طالما شدّ له النّطاق، وسعى له سعيه وتجشّم المشاقّ، وارتحل له يشتدّ به حرصه والمطايا مرزمة «١» ، وينبّهه له طلبه والجفون مقفلة والعيون مهوّمة، ووقف على الأبواب لا يضجره طول الوقوف حتى يؤذن له في ولوجها، وقعد القرفصاء في المجالس لا تضيق به على قصر فروجها.
فليعامل الطلبة إذا أتوه للفائدة معاملة من جرّب، ولينشّط الأقرباء منهم ويؤنس الغرباء فما هو إلا ممن طلب آونة من قريب وآونة تغرّب، وليسفر لهم صباح قصده عن النّجاح، ولينتق لهم من عقوده الصّحاح، وليوضّح لهم الحديث، وليرح خواطرهم بتقريبه ما كان يسار إليه السّير الحثيث، وليؤتهم مما وسّع الله عليه فيه المجال، ويعلّمهم ما يجب تعليمه من المتون والرجال، ويبصّرهم بمواقع الجرح والتعديل، والتوجيه والتعليل، والصحيح والمعتلّ الذي تتناثر أعضاؤه سقما كالعليل، وغير ذلك مما لرجال هذا الشان به عناية، وما ينقّب فيه عن دراية أو يقنع فيه بمجرّد رواية، ومثله ما يزاد حلما، ولا يعرف بمن رخّص في حديث موضوع أو كتم علما.
وصية نحويّ:
وهو زيد الزّمان، الذي يضرب به المثل، وعمرو الأوان «٢» ، وقد كثر من