سيبويه الملل، ومازنيّ الوقت ولكنه الذي لم تستبح منه الإبل، وكسائيّ الدّهر الذي لو تقدّم لما اختار غيره الرشيد للمأمون، وذو السؤدد، لا أبو الأسود، مع أنه ذو السابقة والأجر الممنون؛ وهو ذو البرّ المأثور، والقدر المرفوع ولواؤه المنصوب وذيل فخاره المجرور، والمعروف بما لا ينكر لمثله من الحزم، والذاهب عمله الصالح بكل العوامل التي لم يبق منها لحسوده إلا الجزم؛ وهو ذو الأبنية التي لا يفصح عن مثلها الإعراب، ولا يعرف أفصح منها فيما أخذ عن الأعراب، والذي أصبحت أهدابه فوق عمائم الغمائم تلاث «١» ، ولم يزل طول الدهر يشكر منه أمسه ويومه وغده وإنما الكلمات ثلاث. فليتصدّ للإفادة، وليعلّمهم مثل ما ذكر فيه من علم النحو نحو هذا وزيادة، وليكن للطلبة نجما به يهتدى، وليرفع بتعليمه قدر كل خبر يكون خبرا له وهو المبتدا، وليقدّم منهم كلّ من صلح للتبريز، واستحقّ أن ينصب إماما بالتمييز، وليورد من موارده أعذب النّطاف «٢» ، وليجرّ إليه كلّ مضاف إليه ومضاف، وليوقفهم على حقائق الأسماء، ويعرّفهم دقائق البحوث حتّى اشتقاق الاسم هل هو من السّموّ أو من السيماء، وليبيّن لهم الأسماء الأعجميّة المنقولة والعربية الخالصة، وليدلّهم على أحسن الأفعال لا ما يشتبه فيه بصفات كان وأخواتها من الأفعال الناقصة، وليحفّظهم المثل وكلمات الشّعراء، ولينصب نفسه لحدّ أذهان بعضهم ببعض نصب الإغراء، وليعامل جماعة المستفيدين منه بالعطف، ومع هذا كلّه فليرفق بهم فما بلغ أحد علما بقوّة ولا غاية بعسف.