إلا الله وحده لا شريك له شهادة تملأ الصّحف بحسناتها، وتملّي الوجوه بالأنوار في توجّهاتها، وتلوح من سماتها سيمياء «١» لا تشقّ على الأبصار في توسّماتها، وتفخر برقمها الأقلام بأنه لا طعن في اعتدال حركاتها، على الرّماح في اعتدال قاماتها، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أدّى الرسالة بما تحمّله من أماناتها، ورعى العهود لمن أخلص في مراعاتها، ودعا الأمّة بإذن الله إلى سبيل نجاتها، واستأمن على الوحي كتّابا سبقوا في السّعادة إلى غاياتها، وبلّغوا عنه السّنّة بإباناتها والسّور وآياتها، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه فرسان البلاغة ورواتها، وحفظة الأسرار وثقاتها، وصاغة المعاني في الألفاظ الغرّ بنفثاتها، وأولي الأحلام التي لا تطيشها وقائع الدهر بروعاتها، ولا تذهلها عن الأوراد في أوقاتها، وتلقّي الوفود بأقواتها، والأخلاق التي اتّسع نطاقها في تصرّفاتها، وامتنع حجابها أن تتخطّاه الخدع بهفواتها، صلاة تزيد الأعمار بزكاتها، وتزيّن الأعمال ببركاتها، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ الملك عمود بناؤه بسرّه وارتفاعه بالتأسيس لمستقرّه، وامتناعه بعد العساكر المنصورة بكاتب يخاتل العدوّ في مكره قبل مكرّه، ويقاتل في الحرب والسّلم بنفّاذ رأيه ونفّاث سحره، ويقابل كلّ حال بما يحسن موقعه من صدمه بصدره أو صدّه بصبره، وينظر في العواقب نظر البصير بأمره، الواعي لاحتيال عذره قبل اختيال الباغي في غدره؛ إذا جادل فبالحجّة البالغة، وإذا جاوب أبطل الأهوال الزّائغة، وإذا أمرنا بالعدل والإحسان سيّرهما عنّا كالشمس البازغة، وملأ بهما حبّا لنا القلوب الفارغة؛ وقد جرّبنا على طول المدى كتّابا، وانتخبنا منهم كثيرا ارتضيناهم أصحابا، ومارسنا جماعة ازددنا بهم إعجابا، ورأينا طوائف فيهم من إن أجاد اجتناء لزهرات القول حاد عن الجادّة اجتنابا، وإن كلّف نفسه مذاهب الكتّاب أخلّ بمقاصد الملوك إن كتب عنهم كتابا.
ولم نظفر بمن تمّت فيه الشروط المشروطة، ومتّ بالدائرة المحيطة إلى