اقتضى إحسان الدولة القاهرة أن يحتفل بتقديمه وأن يعتنى. فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوّض إليه نظر [الصحبة الشريفة]«١» .
فليباشر ذلك محلّيا هذه الرتبة بعقود تصرّفه الجميل، ومجلّيا في هذه الحلبة بسبق معرفته التي لا تحتاج إلى دليل، ومبيّنا من نتائج قلمه ما يبرهن على أنه موضع الاختيار، ومن كوامن اطّلاعه ما لا يحتاج إلى برهان إلا إذا احتاج إليه النّهار؛ فلا يزال فرع يراعه في روض المصالح مثمرا، وليل نقسه في ليل الأعمال مقمرا، وحسن نظره إلى ما قرب ونأى من المصالح محدقا، ولسان قلمه لما دقّ وجلّ من أمور الأقاليم محقّقا، ورسم خطّه لما يستقرّ في الدواوين المعمورة مثبتا، ووسم تحريره لما يجتنى من غروس المصالح منبتا، ولدرّ أخلاف الأعمال بحسن الاطلاع محتلبا، ولوجوه الأموال بإنفاق التوجّه إلى تثميرها إن أقبلت مجتليا وإن أعرضت مختلبا، فإنّ الأمور معادن يستثيرها التصرّف الجميل، ومنابت ينمّيها النظر الجليّ والاتقان الجليل؛ وملاك كل أمر تقوى الله تعالى فليجعلها إمامه، ويتخّيلها في كل حال أمامه؛ والله تعالى يسدّده ويوفّقه بمنّه وكرمه!؛ إن شاء الله تعالى.
قلت: وربّما أضيف إلى نظر الصّحبة نظر الدواوين الشريفة، وحينئذ فيحتاج الكاتب أن يأتي في براعة الاستهلال بما يقتضي الجمع بينهما، ويورد من الوصايا ما يختصّ بكل منهما. والكاتب البليغ يتصرّف في ذلك على وفق ما يحدث له من المعاني ويسنح له من الألفاظ.