بين أرباب هذا الشأن وأهله، ويعرف لأكابر هذا الفنّ قدر ما منحهم الله من علم وعمل، ويبسط رجاء المبتديء إذا كمّل نفسه حتّى لا يكون له فيها بغير كمال الاستحقاق طمع ولا أمل.
ولما كان المجلس السامي، القاضي، الأجلّ، الحكيم، فلان الدين: هو الذي بلغ من العلم غاية مراده، واحتوى من هذا الشان على ما جمع به رتب الفاضلين فيه على انفراده؛ فلو عاصره «الرئيس»«١» لاعتمد عليه في كلّيّات قانونه، أو «الرازيّ»«٢» لعلم أن. «حاويه» من بعض فنونه، قد حلب هذا العلم أشطره، وأكمل قراءة هذا الفنّ رموزه وأسطره، وحلّ أسراره الغامضة، وارتوى من سحب رموزه بأنواء لم يشم غير فكره بروقها الوامضة، وأسلف من خدمة أبوابنا العالية سفرا وحضرا ما اقتضى له مزيّة شكره، وتقاضى له مزيد التنبيه على قدره والتنويه بذكره، وحمد فيه الفريدان: صحة نقله وإصابة فكره، وعلم أنه جامع علوم هذه الصّناعة فلا يشذّ منها شيء عن خاطره ولا يغيب منها نقل عن ذكره.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال شهاب فضله لامعا، وسحاب برّه هامعا- أن يكون فلان متولّي رياسة الأطباء بالديار المصرية على عادة من تقدّمه.
فليباشر هذه الرياسة ناظرا في مصالحها، مطلعا من شهاب فضله ما يزين أفقها زينة السماء بمصابيحها، متفقّدا أحوال مباشريها، متلمّحا أحوال المستقلّ بأعبائها والداخل فيها، سالكا في ذلك سبيل من تقدّمه من رؤسائها، حاكما في أمورها بما جرت به العادة المستقرّة بين أكابرها وعلمائها، مطارحا من قدمت هجرته فيها بما يقتضي له مراجعة أصوله، ملزما من ظهر قصوره فيها بالتدرّب