في كل حكم بالحقّ وإن صدع، وعدل لا يستلان جانبه، وحزم لا يستزّل صاحبه، ولا يستنزل راكبه، وقوة في الحقّ تمنع المبطل من الإقدام عليه، ولين في الله يفسح للحقّ مجال القول بين يديه، ومجالس غدت بالعلم طيّبة الأرج، وفضائل يحدّث فيها عن موادّ فكره عن البحر ولا حرج؛ وبدائع تضرب إلى استماعها أكباد الإبل، وبدائه تهرم الأيام وعمر شبابها مقتبل.
ولما كان المجلس العاليّ- أدام الله نعمته- هو الّذي ورد على أبوابنا العالية ونور ولائه يسعى بين يديه، وصدر الان عنها وحلل آلائنا تضفو عليه، وأقام في خدمتنا الشريفة معدودا في أكرم من بها قطن، وعاد إلى الشّام مجموعا له بين مضاعفة النّعم والعود إلى الوطن، وهو الّذي تختال به المناقب، وتختار فضله العواقب، ويشرق قلمه بالفتاوى إشراق النّهار، وتغدق منافعه إغداق السّحب بالأمطار، وتحدق الطّلبة به إحداق الكمامة بالثّمر والهالات بالأقمار؛ وهو شافي عيّ كلّ شافعيّ، ودواء ألم كل ألمعيّ؛ طالما جانب جنبه المضاجع سهادا، وقطع اللّيل ثم استمدّه لمدد فتاويه مدادا، وجمع بين المذهبين نظرا وتقليدا، والمذهبين من القولين قديما وجديدا، وسلك جميع الطّرق إلى مذهب إمامه، وملك حسانها فأسفر له كلّ وجه تغطّى من أوراق الكتب بلثامه، وانفتحت بفهمه للتصانيف أبواب شغلت «القفّال»«١» أقفالها، ونفحت نفحات ما (للماورديّ» مثالها، ومنحت حللا يفخر «الغزاليّ» إذا نسج على منواله سربالها؛ فلو أدركه «الرّافعيّ» لشرح «الوجيز» »