للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحكام المذاهب من حفظه، وصدّر المسائل بأقواله، وأعدّ لكلّ سؤال وارد حجّة من بحثه وبرهانا من جداله؛ فله في العلم المرتقى الّذي لا يدرك، والمنتهى الّذي لا ينازع في تفرّده ولا يشرك، والغاية الّتي أحرزها دون غيره فلولا المشقة لم تترك، وهو الّذي ما زال بهذه الرتبة مليّا، وبما عدق بذمّته من أحكامها وفيّا، وبكلّ ما يرضي الخليقة عنه من أحوالها قائما وكان عند ربّه مرضيّا، وبأعبائها مستقلّا من حين منحه الله العلم ناشئا وآتاه الحكم صبيّا. وما برح تدعوه التّقوى فيجيبها، ويترك ما لا يريب نفسه تنزيها عمّا يريبها؛ فكم فجّر بالبلاد الشّاميّة من علمه عيونا، وغرس بها من أفنان فضله فنونا، وكان لها خير جار ترك لها ما سواها، وأكرم نزيل نوى بالوصول إليها مصلحة دينه فلم يضيّع الله له نيّته الّتي نواها، وألف قواعد أهلها وعوائدهم، وعرف بحسن اطلاعه ما جبل الله عليه غائبهم وشاهدهم، وعدوه من النّعم المقبلة عليهم، واقتدوا في محبّته بالذين تبوّأوا الدّار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم؛ ثم قدم إلى الدّيار المصرية وما كان قدومه إلا علينا، ووفد إليها بحسن مودّته ومحبته اللّتين ما وفد بهما إلا إلينا، فرأينا منه إماما لا يحكم في توليته الحكم بالهوى، ولا ينوى في تقليده القضاء غير مصلحة المسلمين «ولكلّ امري ما نوى» ؛ وهو- بحمد الله- لم يزل بقواعد هذا المنصب خبيرا، وبعوائد هذه الرتبة بصيرا، وبإجرائها على أكمل السّنن وأوضح السّنن جديرا، وبإمضاء حكم الله الّذي يحقّق إيجاد الحقّ فيه للأمة أنّه من عند الله وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً

«١» ، مع ما تكمّلت به فضائله من الوقوف مع الحقّ المبين، والتّحلّي بالورع المتين، والتّخلّي للعبادة الّتي أصبح من اتصف بها مع النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين.

فلذلك رسم بالأمر الشريف الأشرفيّ النّاصريّ- لا زال علم العلم في

<<  <  ج: ص:  >  >>