والوصايا كثيرة وإنّما هذه نبذة جامعة، وبارقة لامعة، ومنك يستفاد بساط القول، وانبساط الطّول؛ ولهذا يكتفى بما فيك، والله تعالى يكفيك، ويحصي حساب أعمالك الصّالحة ليوفيك، حتّى تجد فلا يتخلّف بك السير، وتستعدّ ليختم لك بخاتمة الخير، والاعتماد على الخط الشريف.
قلت: وهذه نسخة توقيع بقضاء، أنشأته بدمشق للقاضي «شرف الدّين مسعود»«١» وهي:
الحمد لله الّذي شيّد أحكام الشّرع الشريف وزاد حكّامه في أيّامنا شرفا، ورفع منار العلم على كلّ منار وبوّأ أهله من جنّات إحساننا غرفا، وأباح دم من ألحد فيه عنادا أو وجّه إليه طعنا، وأوجب الانقياد إليه بقوله تعالى: إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا
«٢» ، وألهم الصواب في اختيار من لم يزل لهذه الرتبة معدّا ومن رجالها معدودا، وصرف وجه إقبالنا إلى من ارتضيناه للمسلمين حاكما فأصبح بنظرنا مسعودا.
نحمده حمد من اعتنى بالقيام بشرائع الإسلام وتعظيم شعائره، ونصح للرّعيّة فيمن ولّاه عليهم وأعطى منصب الشرع حقّه بتقديم أكابره. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يقضى لصاحبها بالنّجاة من النّار، ويسجّل لقائلها بالثبوت في ديوان الأبرار، وأن محمدا عبده ورسوله الّذي شرط الإيمان بالرضا بحكمه وأوجب طاعته أمرا ونهيا واستجابة وتحكيما، فقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً