المرجّى، وتعيّن واحدا لمّا ابتلي الناس بالقضاء كان المنجّى ابن المنجّى؛ طالما تطرّزت له الفتاوى بالأقلام، والتفّت به حلقة إمام، وخاف في طلب العلم من مضايقة اللّيالي فما نام- اقتضى حسن الرأي الشريف أن يفوّض إليه قضاء القضاة بالشام المحروسة على مذهب الإمام الربانيّ «أحمد بن حنبل» الشيبانيّ، رضي الله عنه.
فليحكم في ذلك بما أراه الله من علمه، وآتاه من حكمه، وبينه له من سبل الهدى، وعيّنه لبصيرته من سنن نبيّه صلّى الله عليه وسلّم التي من حاد عنها فقد جار واعتدى، ولينظر في أمور مذهبه ويعمل بكل ما صحّ نقله عن إمامه، وأصحابه من كان منهم في زمانه ومن تخلّف عن أيّامه؛ وقد كان- رحمه الله- إمام حقّ نهض وقد قعد الناس تلك المدّة، وقام نوبة المحنة وقام «سيّد تيم»«١» رضي الله عنه نوبة الرّدّة، ولم تهبّ به زعازع «المرّيسيّ»«٢» وقد هبّت مريسا «٣» ، ولا «ابن أبي دواد»«٤» وقد جمع كلّ ذود وساق له من كلّ قطر عيسا؛ ولا نكث عهد ما قدّم إليه «المأمون» في وصيّة أخيه من المواثق، ولا روّعه صوت «المعتصم» وقد صبّ عليه عذابه ولا سيف «الواثق» ؛ فليقفّ على أثره، وليقف بمسنده على