وكانت دمشق المحروسة لها هذه الصّفات، وعلى صفاها تهبّ نسمات هذه السّمات، لم يتّصف غيرها بهذه الصّفة، ولا اتّفق أولوا الألباب إلّا على محاسنها المختلفة؛ فهي البقعة الّتي يطرب لأوصاف جمالها الجماد، والبلد الذي ذهب بعض المفسّرين إلى أنّها إرم ذات العماد، وهي في الدّنيا أنموذج الجنّة الّتي وعد المتّقون، ومثال النّعيم للّذين عند ربّهم يرزقون، وهي زهرة ملكنا، ودرّة سلكنا؛ وقد خلت هذه المدّة ممّن يراعي تدبيرها ويحمي حوزتها ويحاشيها من التّدمير ويملأ خزائنها خيرا يجلى، إذا ملأنا ساحتها خيلا ورجلا- تعيّن أن ننتدب لها من جرّبناه بعدا وقربا، وهززناه مثقّفا وسللناه عضبا، وخبأناه في خزائن فكرنا فكان أشرف ما يدّخر وأعزّ ما يخبى؛ كم نهى في الأيّام وأمر، وكم شدّ أزرا لمّا وزر، وكم غنيت به أيّامنا عن الشّمس وليالينا عن القمر، وكم رفعنا راية مجد تلقّاها عرابة «١» فضله بيمين الظّفر، وكم علا ذرا رتب تعزّ على الكواكب الثّابتة فضلا عمن يتنقّل في المباشرات من البشر، وكم كانت الأموال جمادى وأعادها ربيعا غرّد به طائر الإقبال وصفر.
و [لما]«٢» كان [الصاحب أمين الملك]«٣» هو معنى هذه الإشارة، وشمس هذه الهالة وبدر هذه الدّارة، نزل من العلياء في الصّميم، وفخرنا بأقلامه الّتي هي سمر الرّماح كما فخرت بقوسها تميم، وحفظت الأموال في دفاتره الّتي