ممّن لحا «١» وممّن لم يلح، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الوفاء والصّفاء والصّفاح والصّفح، والّذين جاهدوا في الله حقّ جهاده بالنّفس والمال والكدّ والكدح، ورفعوا أعلامهم المظلّلة، ونصبوا أقلامهم المعدّلة؛ فكم لهم في المشركين من جراح لا تعرف الجرح، وذادوا عن حوزة الدّين، بإراقة دم الكفّار المتمرّدين، فحسن منهم الذّبّ والذّبح، وكانوا فرسان الكلام، وأسود الإقدام، الّذين طالما خسأت بهم كلاب الشّرك فلم تطق النّبح، صلاة دائمة باقية الصّرح، ما اقترن النّظر باللّمح، وما هطل السّحاب بالسّح «٢» ، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ أولى من خطبت المناصب العليّة، محاسنه الجليلة الجلية، ورغبت المراتب الّتي هي بالخير حريّة، في جميل حالته الّتي هي بعقود المفاخر حليّة، وسحبت سحائب الإقبال الوابليّة، ذيول فضائله الفاضليّة، واكتسب العلوم الفرعيّة والأصليّة، من مجاميع فنونه الّتي تعرب عن أنواع الفوائد الجمليّة والتّفصيليّة- من شهدت المفاخر بأنّه لم يزل الشّهيد لها وابن الشّهيد، وحمدت المآثر الّتي هو الشّهير بها فما عليها في جميل الأدوات من مزيد، وتشيّدت مباني معاليه الّتي اقترن باب خيرها منه بالفتح المبين، وتمهّدت معاني أماليه بالتّخيّل اللّطيف واللّفظ المتين، وتعدّدت أوصاف شيمه فهي لمحاسن الدّهر تزيد وتزين، وغدا من الكاتبين الكرام والكرام الكاتبين، الذين تضح باطّلاعهم مراصد المقاصد وتبين. طالما اتّسق عقد نظمه المتين، وبسق غصن قلمه المثمر بالدّين، وأضاف إلى أدب الكتاب حلية العلماء المتقنين، وارتقب أفعال الجميل الّتي استوجب بها حسن التّرقّي إلى أعلى درجات المتّقين، وقلّد أجياد الّطروس جواهر ألفاظه الّتي تفوق الجوهر عن يقين؛ فهي بنضار خطّه مصوغة أبهج صياغة، وفي طريق الإنشاء سالكة نهج