البلاغة، وكذا بحار الفضائل واردة مناهلها المساغة؛ كم أعرب كلمه الطّيّب، عن سحّ سحاب الصّواب الصّيّب، وكم أغنى في المهمّات بكتبه، عن جيش الكتائب وقضبه «١» ، وكم هزأت صحائفه بالصّفائح وكم أغنت راشقات فكره الثابتة العلم عن سهو السّهم الرّائح، وكم تشاجرت أقلامه البيض الفعال هي وسمر الرّماح فكان نصرها اللّائح، وكم تعارض نشر وصفه وشذا الطّيب فألفى الزّمان ثناءه هو الفائح، وكم اشتمل على أنواع من النّفاسة فاستوجب منّا منّا يقضي له بأجزل المنى والمنائح.
ولما كان المجلس العاليّ، القاضويّ، الأجلّيّ، الكبيريّ، العالميّ، الفاضليّ، الكامليّ، الأوحديّ، الأثيريّ، الرّئيسيّ، البليغيّ، المفيديّ، المجيديّ، الأصيليّ، العريقيّ، العابديّ، الزّاهديّ، المؤتمنيّ، الفتحيّ، جمال الملوك والسّلاطين، وليّ أمير المؤمنين، محمد بن الشّهيد، أدام الله نعمته، هو الّذي أعرب القلم عن صفاته، وأطرب المسامع ما أدّاه اليراع عن أدواته، ورام البنان أن يستوعب بيان شكره فلم يدرك شأو غاياته، وتسارعت بدائع البدائه من أفكاره فسابقت جريان يراعه في أبياته، وراقت أماليه، لناقلي ألفاظه ومعانيه، فشكر السّمع والفهم بها هبّات هباته؛ فآدابه مشهورة، وعلومه مذكورة، وتحلّيه بمذاهب الصّوفية ارتاضت به نفسه الخيّرة الخبيرة، وإخلاصه في عبادة الله تعالى حسنت به منه السّيرة والسّريرة، وصيانته للأسرار الشّريفة استحق بها إسناد أمرها إليه، وإيداع غوامضها لديه، والتّعويل في حفظها وفي لفظه للفظها عليه- اقتضى حسن الرّأي الشّريف أن نجتبيه لما تحقّقنا منه من ذلك، ونخصّه بصحابة ديوان الإنشاء الشّريف في أجلّ الممالك، ونجعل قدمه ثابتة الرّسوخ، والصّعود في مشيخة الشّيوخ، ليسلك فيها أحسن المسالك.