واستضيء فيه بنور التّوفيق، واستصحب فيه من استخارة الله خير رفيق- أمر الحكم العزيز وتفويضه إلى من وسّع الله تعالى مجال علمه، وسدّد مناط حكمه، وطهّر مرام قلبه، ونوّر بصره في الحكم وبصيرته فأصبح فيهما على بيّنة من ربّه، فأجرى الحق في البحث والفتيا على لسانه ويمينه، ونزّهه عن إرادة العلم لغير وجهه الكريم، ونبّهه على ابتغاء ما عند الله بذلك والله عنده أجر عظيم.
ولما خلا منصب قضاء القضاة بطرابلس المحروسة على مذهب الإمام الشافعيّ رضي الله عنه: وهو المنصب الّذي يضيء بالأئمة الأعلام أفقه، وتلتقي بالفضلاء الكرام طرقه، وتحتوي على أرباب الفنون المتعدّدة مجالسه، وتزكو بالفوائد المختلفة مغارسه، وكان فلان هو الّذي أشير إلى خصائص فضله، ونبّه على أنّ الاجتهاد للأمّة أفضى إلى إسناد الحكم منه إلى أهله، وأنّه واحد زمانه، وعلّامة أوانه، وجامع الفضائل على اختلافها، وقامع البدع على افتراق شبهها منه وأتلافها، وحاوي الفروع الّتي لا تتناهى، والمربي على ربّ كلّ فضيلة لا يعرف غيرها ولا يألف سواها- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نجزم من ارتياده لهذه الرتبة بهذا الرّأي [السديد]«١» ، وأن نقرّب سراه إلى هذا المنصب الذي ناداه بلسان الرّغبة من مكان بعيد.
فلذلك رسم بالأمر الشّريف- لا زال إحسانه كالبدر، يملأ المشارق والمغارب، وبرّه كالبحر، يقذف للقريب الجواهر ويبعث للبعيد السّحائب- أن يفوّض إليه كذا.
فليطلع بذلك الأفق الّذي يترقّب طلوعه رقبة أهلّة المواسم، ويسرع إلى تلك الرّتبة الّتي تكاد تستطلع أنباءه من الرياح النّواسم، وينشر بها فرائده الّتي هي أحقّ أن تطوى إليها المراحل «٢» ، ويقدم بها على الأسماع الظّامية لعذب