للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نحمده بمحامده الّتي تفوت الدّراريّ في تنضيدها، وتفوق الدّرّ فيتمنّى منه عقد فريدها، ونشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له شهادة نافعة لشهيدها، جامعة لتوحيدها، ناقعة لأهل الجحود ممّا يورّد الأرض بالدّماء من وريدها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الّذي كاثر الأمم بأمّته في عديدها، وظاهر على أعداء الله بمن يفلّ بأس حديدها، فيرسل من أسنته نجوما رجوما لمريدها، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة نتظافر بتأييدها، وسلّم تسليما كثيرا.

وبعد، فإنّ من عوائد دولتنا القاهرة أن تعود بإحسانها، وتجود بثبوت كلّ قدم في مكانها؛ وإذا ولّت عرف سحابها عن جهة عادت إليها، أو سلبت لها رونقا أعادت بهجته عليها؛ وكانت البلاد الغزّاويّة وما معها قد تمتّعت من قدماء ملوك «١» بيتنا الشّريف بسيف مشهور، وبطل تشام بوارق عزمه في الثّغور؛ وهو الذي عمّ بصيّبه بلادها سهلا وجبلا، وعمّر روضها بعدل أغناها أن يسقي طلّ طللا، وجمع أعمالها برّا وبحرا، ومنع جانبيها شاما ومصرا، وألف أهلها منه سيرة لولا ما استأثرنا الله به من سرّه لما أفقدناهم في هذه المدّة حلاوة مذاقها، وسريرة لا نرضى معها بكفّ الثّريّا إذا بسطت لأخذ ميثاقها، ولم نرفع يده إلا لأمر قضى الله به لأجل موقوت، ومضى منه ما يعلم أنه بمرجوعه القريب لا يفوت، لأنّ الشمس تغيب لتطلع بضوء جديد، والسّيف يغمد ثم ينتضى فيقدّ القدّ والجيد، والعيون تسهّد ثم يعاودها الرّقاد، والماء لو لم يفقد في وقت لما وجد لموقعه برد على الأكباد.

فلّما بلغ الكتاب أجله، وأخذ حقّه من المسألة، وانتقل من كان قد استقرّ فيها إلى جوار ربّه الكريم، وفارق الدّنيا وهو على طاعتنا مقيم- اقتضت آراؤنا الشريفة أن يراجع هذه العقيلة كفؤها القديم، وترجع هذه الأرض المقدّسة إلى من فارقها وما عهده بذميم. من لم تزل به عقائل المعاقل تصان، وخصور

<<  <  ج: ص:  >  >>