فلذلك خرج الأمر الشريف- لا زال به سيف الدّين ماضيا، ولا برح كلّ واحد بحكم سيفه في كلّ تجريد وقلمه في كلّ تقليد راضيا- أن تفوّض إليه نيابة السلطنة الشريفة بالكرك المحروس وما معه على عادة من تقدّمه فيها، وقاعدته التي يتكفل لها بالإحسان وبكفّ العدوان ويكفيها؛ وكلّ ما فيها من أمر فهو به منوط، وكلّ عمل لها به محوط، وحكمه في مصالحنا الشريفة في جميع بلادها مبسوط، وله تطالع الأمور، ومنه تصدر المطالعة، وبه تزال كلّ ظلامة، وتزاح كلّ ملامة، ويؤيّد الشرع الشريف ويؤبد حكمه، وينثر علمه وينشر علمه، وتقام الحدود بحدّه، والمهابة بجدّه. ورجال هذه القلعة به تتألّف على طاعتنا الشريفة قلوبهم، والرعايا يعمهم بالعدل والإحسان وأيسر ما عندنا مطلوبهم؛ وهؤلاء هم شيعتنا قبلك، ورعيّتنا الذين هم لنا ولك؛ فرفرف عليهم بجناحك، وخذهم بسماحك؛ والمسارعة إلى امتثال مراسمنا الشريفة هي أوّل ما نوصيك باعتماده، وأولى ما يقبس من نوره ويستمدّ من أمداده؛ فلا تقدّم شيئا على الانتهاء إلى أمره المطاع؛ والعمل في السّمع والطاعة باكر له ما يمكن أن يستطاع؛ وخدمة أولادنا فلا تدع فيها ممكنا، واعلم بأنّ خدمتهم وخدمتنا الشريفة سواء لأنّه لا فرق بينهم وبيننا؛ وهذه القلعة هي الّتي أودعناها في يمين أمانتك، وحميناها بسيفك وصنّاها بصيانتك؛ فالله الله في هذه الوديعة، وأدّ الأمانة فإنّها نعمت الذّريعة، واحفظها بقوّة الله وتحفّظ بأسوارها المنيعة، وعليك بالتّقوى لتّقوى والوقوف عند الشّريعة؛ والله تعالى يزيدك علوّا، ويبلّغك مرجوّا؛ والاعتماد......
قلت: وربّما ولي نيابة الكرك من هو جليل الرتبة رفيع القدر، من أولاد السلطان أو غيرهم، فتعظم النيابة بعظمه، ويرفع قدرها بارتفاع قدره، وتكون مكاتبته وتقليده فوق ما تقدّم، بحسب ما يقتضيه الحال من «الجناب» أو غيره.
وهذه نسخة تقليد بنيابة السلطنة بالكرك، كتب بها عن السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» لولده الملك الناصر «أحمد» قبل سلطنته، وكتب له فيه ب «الجناب العاليّ» من إنشاء الشريف شهاب الدّين، وهي: