الشّرق والغرب وللحداة به أطرب صدح، وآتى الله من فضله ملكنا نعما تجلّ عن العدّ والشّرح، فيها منشأ دولة الدّول ومنها فتح الفتوح، وبإضافته إلينا تفاؤل خير مشهور ملموح، كما قيل قبلها كرك نوح «١» ؛ فبتطهير الأرض من الكفّار، عزائمنا تغدو وتروح، وبالاستناد بأطول الأعمار، أمارة بادية الوضوح، وآثار بركة الاسم الشّريف المحمّديّ تظهر علينا في الحركات والسّكنات وتلوح، وفخار هذه المملكة المباركة: لاختصاصها بالحرمين الشّريفين عليها طلاوة وسعادة وفيها روح؛ وكنّا قد سلكنا بهذا الولد النّبيل، سنّة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل، في ولده إسماعيل، عليهما السّلام التامّ في كلّ بكرة وأصيل، حيث فارقه وأفرده، وتفقّده في كلّ حين وتعهّده، حتّى شدّ الله تعالى به عضده ورفع هو وأبوه قواعد البيت وأعانه لمّا شيّده، فأجمل الله لنا هذا القصد وأحمده، وكمّل هذا الشّروع وأسعده؛ وأجزل له من فوائده أوفر هبة وأنجز له من عوائده أصدق عدة، فأحللناه في هذه المدّة بمملكة الكرك فسلك من حسن السجايا أحسن مسلك، وملك قلوب الرّعايا وبما وهب من المنح تملك، وبسنتنا في التواضع للحق مع الخلق تمسك وبشيمنا وخلقنا في الجود تخلّق فبذل وما أمسك.
ولما بلغ أشدّه واستوى، وبزغ شهاب علاه الّذي هو وبدر السماء سوا، وحاز مكارم الأخلاق وحوى، وفاز سلطاننا في نجابته بحسن النية:«وإنّما لكل امريء ما نوى» - حكّمناه في هذه النيابة الّتي ألفها ودرّبها، وعرف أمورها وجرّبها، واستعمال خواطر أهلها واستجلبها، وأدنى لهم لمّا دنا منهم الميامن ولمّا قرّبها منهم قرّبها، واستحقّ كفالتها واستوجبها، وأظهر الله تعالى فيه من الشّمائل أنجبها، ومن الخلائق أرحبها، ومن الأعراق أطيبها، ومن العوارف أنسبها، ومن العواطف أقربها، ومن البسالة أرهفها وأرهبها، ومن الجلالة أحبّها