يدخلها إلّا بقتال يخلّ مقاعد الحرم، ويحلّ معاقد «١» الحرم، ويشعل نارا يصلى بها من لم تمتدّ له يد إليها إلى وقود، ويروع من الآلف فيها من يمتدّ له في غير مراتع غزلان النّقا سجاف قيام معقود، وقدم إلى أبوابنا العالية من كان فيها مقيما، وأنعمنا عليه بإبقاء النّصف ففاته الكلّ لمّا لم يقنع أن يكون قسيما؛ فأبت حميّتنا لله ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم ولتلك المواطن المعظمة إلّا أن نطهّرها مما أسبلت على سريره أذيالها، وما أطاقت على مضضه الأليم احتمالها.
فرسم بالأمر الشريف- لا زال قدره عاليا، وبرّه لا يخلّ بوديّ ولا يخلي مواليا- أن تفوّض إليه إمرة المدينة الشّريفة النبويّة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام: مستقلّا بأعبائها، مستهلّا سحابه على أرجائها، إمرة تستوعب جميعها، وتستوعي لمراسمه رباها وربوعها وعاصيها ومطيعها، وتهائمها ونجودها، وقريبها وبعيدها، وكلّ ما يدخل لها في حدّ، وينتظم لها في عدّ، وأهل حاضرتها وباديتها، وما تقف عليه من السّحب ركائب رواعيها وغاديتها، ومن تتبسّم بهم ثناياها، وتتنسّم لهم أرواح بكرها وعشاياها، ومن يضمّهم جناحها المفضّل، ويلمّهم وشاحها المفصّل، ويجمعهم جيشها السائر، ويلفّهم في شملة الدّجى قمرها الزّاهر- تفويضا يدخل فيه كلّ شريف ومشروف، ومجهول ومعروف، ومستوطن من أهلها، وغريب انتهت [به] إليها مطارح سبلها، ما فيه تأويل، ولا تعليل، ولا استثناء، ولا انثناء، ولا تخرج منه الأرض المغبّرة ولا الرّوضة الغنّاء، لا شبهة فيه لداحض، ولا حجّة لمعارض؛ يستقلّ بها جميعها بدره التمام، وبرّه الغمام، وبحره الّذي يأبى فريده أن يؤاخى في نظام، وأمره الّذي يتلقّى به عن الثقة من سادات بيته مقاليد الأحكام، وتقاليد ما يجري به القلم ويمضي السيف الحسام، إفرادا في التحكيم، وأنفة لمثله من ضرر التّقسيم، وفرارا من الشّركة «٢» المشتقة من الشّرك: