الذي إذا قال لم يترك مقالا لقائل، وإذا شرح على قياسه أتى بما لم تستطعه الأوائل، وإذا جارى العلماء كاد «إمام الحرمين» يقول: أنا المصلّي وأنت السابق، «والغزاليّ» : من لي أن أنسج على منوال هذا اللفظ الرّائق؟؛ «وابن دقيق العيد»«١» : ليت لي من هذه الدّقائق بلغة؟، و «ابن الصّباغ» : هذا الّذي صبغه الله من المهد عالما! ومن أحسن من الله صبغة؟؛ ولأنه العالم الّذي أحيا ذكر «ابن نقطة»«٢» بعد ما دارت عليه الدوائر، وأغنى وحده دمشق عمن أتى في النسب «بعساكر» ، ولأنّه في البيان ذو الانتقاد والانتقاء، والعربيّ الّذي إن كان لرقاب الفضلاء «ابن مالك» فإن قرينه «أبو البقاء» ، والكامل حسبا، ومثل جيّده المنقود لا يبهرج، والواصل نسبا، ومثل فرعه بعد أصله:«ولله أوس آخرون وخزرج» .
فليباشر هذا التّدريس بعزائم سريّة، ومباحث تستنار منها معارف القول التّبريّة، وطرائف لا تحبس بدمشق على نقداتها المصرية، ولينصر مذهب الإمام الشافعيّ رضي الله عنه فإنّ قومه الأنصار، وليخفض جناحه للطّلبة فطالما خفضت الملائكة أجنحتها ليصير فلا عجب أن صار!؛ وليفد وافديه وهو قاعد أضعاف ما أفادهم صاحب المكان وهو واقف؛ وتقوى الله عزّ وجلّ أولى ما طالعه في سرّه وجهره من «عوارف المعارف»«٣» ؛ والله تعالى يمدّه بإسعاده